الأعشاب الطبية في مواجهة العقاقير الدوائية

355

الأعشاب الطبية في مواجهة العقاقير الدوائية

مستشفيات ضخمة تقنيات تكنولوجية عالية وأجهزة فائقة التطوّر وأطباء متخصصون كل هذا يدخل تحت مسمى الطب الكيميائي أو ما عرف في الاصطلاح بالطب الغربي الحديث أو التكنولوجي.

ورغم هذا التقدم في التعامل مع المرض ومتاعب الإنسان الجسمية، فإن مشكل الصحة لا يمكن حصرها, بل إن كل تلك الوسائل وقفت عاجزة أمام حالات لم تستطع تداركها أو حتى التخفيف من حدّتها.

وقد يتحول جسم المريض بفعل الأدوية المصنّعة المستعملة لعلاجه مقبرة للنفايات الكيميائية والعقاقير المتراكمة، وهذا ما يساعد على ظهور أمراض جديدة تفتك بالمريض وتزيد من آلامه، بالإضافة إلى اعتماد الطب الحديث على فصل أعضاء الجسم كل واحد على حدة لهذا فإن كل طبيب مختص بعضو فلا يعالج إلا العضو المتضرر, فأساس الطب التكنولوجي هو التعامل مع المرض دون المريض بمحاولة علاجه بكل الطرق المتاحة.

هكذا بدأ الإنسان يبحث عن البديل بتطوير ما قد عرفه من أساليب علاجية منذ مئات السنين، فاكتشف أنواعاً عديدة وبدائل استشفائية حاول من خلالها أن يودِّع المشرط الطبي والأدوية الكيميائية وآثارها الجانبية الخطيرة واتجه نحو الطب البديل وما اصطلح عليه بالطب اللطيف حيث لا وجود لكل ذلك العناء والخوف،

وهو مجموعة طرق علاجية تعتمد على النظرة الشمولية للإنسان كوحدة متكاملة فظهر العلاج بالصوت والضوء والألوان والموسيقي والعلاج بالقرآن والطبيعة والغذاء والإبر الصينية والأعشاب الطبية وغير ذلك من البدائل التي أثبتت قدرتها على منح المريض أملا جديدا في الشفاء مع الوضع المتردي الذي وصلت إليه مستشفياتنا

وكذلك إلغاء العلاج المجاني وانتشار الأمراض وتراجع القدرة العلاجية وغلاء الأدوية!! فالطب البديل بوسائله العلاجية أرخص وتكاليفه أقل وهو أكثر أماناً وفاعلية حسب دراسات علمية أجريت في بريطانيا حديثا، هذا البلد الذي يبلغ إجمالي ما ينفقه على الطب البديل 2300 مليون دولار أمريكي سنويا ؟!

في حين يبلغ حجم السوق العالمية للعلاجات الشعبية حوالي 60 مليون دولار أمريكي سنويا، مما يعنى أن العالم يتجه نحو الطب اللطيف بشكل يثير التساؤل ويقلق الأطباء والصيادلة الكيميائيين وكل من يتعامل مع القطاع الصحي التكنولوجي !!

وحلب التي تفرد سوقاً كاملاً للعطارة ولمن يعمل بها ويُسمى باسمهم (سوق العطارين), هذا السوق الذي يعتبر محطَّ أنظار أساسية للكثير من السيّاح ( العلماء والباحثين أنفسهم ) القادمين إلى حلب خصوصاً لزيارة السوق والتعرّف على هذه المهنة لتضيف إلى ما في جعبتهم من معلومات، والذي عبَّر أحد أبنائه عنه أنَّه بإمكان الزائر أن يكتشفه من خلال رائحة الأعشاب التي تفوح منه على مسافة بعيدة فلا داعي لوضع لوحات تدل على أنَّك في سوق العطَّارين، بالإضافة إلى انتشار مزاولي هذه المهنة في أنحاء متفرقة من أحيائها كما في “آقيول” العطَّار الشهير (الزيتوني) رحمه الله وغيره

الطب الحديث تراجع أمام البديل ؟!

هناك خطأ شائع يروج فكرة أن الطب البديل وخاصة منه الجزء الأساسي المتمثل في طب الأعشاب إن لم “ينفعك فهو لن يضرك” والحقيقة أن ضرره قد يفوق الأدوية الكيميائية !! ولهذا فلا يجب التهوين من خطورة الاستعمالات الخاطئة للأعشاب وغيرها لأنها قد تؤدي إلى مضاعفات لا يمكن تداركها والمسؤولية تقع على المريض أحيانا

لأنه لا يتابع وصايا الطبيب كما ينبغي أو أنها قد تقع على الطبيب الذي لا يعرف شيئا على بعض النباتات ورغم ذلك يصفها للمرضى الذين وثقوا به ومنحوه أجسادهم ومن ثم أرواحهم!! ولهذا فإنه من الواجب على كل من دخل هذا الميدان (طب الأعشاب) أن يكون دقيقا في حفظ النباتات ومعرفتها باسمها العلمي في كل أنحاء العالم وإلا فإنه قد يقع في أخطاء تؤدي إلى موت المريض وهذه مسؤولية عظيمة.

أما خبراء الطب البديل فيعبر أحدهم بقوله عن دخوله ميدان الصراع فيقول:

أما فيما يخص مزاحمة الطب البديل للطب الكيميائي فلا وجود للمنافسة بين أي نوع من أنواع الطب، فكل أنواع الطب هي مكملات وكل طب يكمل الآخر، فهناك حالات مرضية مثلا يفشل الطب النفسي في شفائها بينما ينجح العلاج القرآني, والطب الكيميائي يكمل النباتي في جوانب معينة والطب النباتي يكمله في جوانب أخرى فلكل واحد وسائله

والطب البديل قدم علاجات ناجحة مبهرة ففي الصين مثلا تغلب أطباء الطب البديل على 77% من السرطانات سواء بالإبر أو الأعشاب رغم هذا أقول أنه يقف عاجزا أمام كل ما وقف أمامه العلم عاجزاً والحقيقة أنه بديل وخارق من جانب واحد فقط لأنه لطيف وليست له آثار جانبية خصوصا إذا قصد المريض طبيبا مختص

فمثلا يقدم نبات “الدفلة” على أنه مخفض لمستوى السكر في الدم وهذا خطأ شائع أدى إلى وفاة الكثيرين من جراء إفراطهم في تناول هذه النبتة السامة!! وكذلك نبات “مقل السيف” يستعملونه لمقاومة حساسية جلدية بالغة التأثير على جسم الإنسان وكذلك “عشبة مريم” أو المريمية لديها خصائص طبية كثيرة لكن لو تجاوزنا الجرعة المحددة علميا فإنها ستعطينا آثارا جانبية خطيرة جدا قد تؤدي إلى الجنون،

وهذه الممارسات وغيرها نندد بها يوميا كباحثين مختصين نعاني جدا من هذا الخلط كما أننا نتمنى أن تعطي السلطات الوصية جانبا من اهتمامها للميدان وتحاول تنقيته من المتطفلين وتقننه فنحن نلاحظ أن كل من هب ودب أصبح يعالج بالأعشاب،

وأقول أن هناك إلحاح على سوء التفاهم فالأطباء الكيميائيون يعتبرون الطب النباتي وكل الأنواع الأخرى طبا مكملا فهم يقومون بدورهم ونحن نكمله فقط بينما في الدول المتطورة التي تحترم الاختصاصات فتعتبره نوعا من الطب قائما بذاته له وسائله الخاصة ومخابره وباحثوه ودراساته وأطباؤه

وحتى صيدلياته وهذا هو الإشكال المطروح في دول العالم وليس في عالمنا العربي فقط ما عدا الصين وألمانيا وفرنسا وبلغاريا وبريطانيا فهذه الدول تعترف بطب الأعشاب في منظومتها الصحية، وإن كان هناك من الأطباء العرب الذي يُعتبرون من الأوائل في اقتحامهم طب الأعشاب فهو يكتبون الوصفة الكيميائية ومعها العلاج الطبيعي فالطب الكيميائي 60% منه آثار جانبية ونحن بهذا لا ننكر 

فضله خصوصا في الكشف والتشخيص والجراحة فكل طب له علاقة بالآخر وهناك نباتيون لا يعترفون بالطب الكيميائي والعكس ولكن الواقع والضرورة ومصلحة المريض تفرض علينا التعامل مع كل ما يقدم لنا شيئا جديدا وخدمة علمية”.

لا وجود للتنافس بين أنواع الطب:

الدكتور عبد الرزاق عيسى يقول : طبعاً هناك فرق بين الطب البديل والعقارات الدوائية , أما لعشبة الفياغرا المستعملة لأغراض جنسية فلا أثراً سلبياً لها على مستقبل الخصوبة كما أشيع عنها .أما الاعشاب الطبية والعطارة موضة قديمة وانتهت وأصبح الآن للعقارات الكيميائية الدور الأكبر في إعطاء نتائج باهرة والاعتماد على الأعشاب الطبية في الاستطباب في ظل ثورة العقار الكيميائي يبقى محدوداً

الطب البديل إن لم ينفعك فلن يضرك؟

الطب العربي

في السنوات الأخيرة ازداد عدد المتوافدين على الطب البديل خصوصا أهم جزء منه والمتمثل في طب الأعشاب حيث اعتبره الكثير الترياق السحري للأمراض التي عانوا منها سنوات طويلة وكان الشفاء خلالها بعيدا مئات السنوات ؟!

فتقول السيدة ( س. ع ) التي تؤيد طب الأعشاب بحماس شديد: “بدأت معاناتي وأنا طفلة في السادسة من العمر حيث أصيب ساقي كله بمرض جلدي الأكزيما ولأنني لم أسارع إلى مداواته استفحل حيث أصبح من الدرجة الثالثة

وهذا زاد من تناقص أمل الشفاء فلجأت إلى أطباء مختصين في الشرق والوسط لكن دون جدوى، إلى أن أشار علي بعض المقربين زيارة أحد العطَّارين وفعلا ذهبت إليه وفحصني ثم قال لي أن مدة العلاج قد تطول قليلا لأنني أهملت نفسي لسنوات بعد يأسي من العلاج عاما بأكمله إلى أن شفيت ولم تبق حتى آثار المرض فمن قال طب الأعشاب مجرد شعوذة ؟! بل إنه علم قائم بذاته”.

أما ( جمال.ز) فقد قال لنا أنه يثق جدا بالطب الشعبي لأنه إن لم ينفع المريض فلن يضره ورغم أنه لم يصب بمرض خطير وقف أمامه الطب عاجزاً، إلا أنه يرى أننا نستعمل في بيوتنا يوميا وصفات شعبية مفيدة للزكام والروماتيزم وآلام الأذن والعين والرأس وإن لم نأخذها عن طريق أخصائيين إلا أن جداتنا هن أكبر الاختصاصيين!!

لكن وعلى النقيض تماماً نجد من يعتبر أنَّ الأعشاب الطبية والتداوي بها تخلفاً منطلقاً من وجهة نظر أنّه لا يمكن لشيء أن يكون نافعاً إلا إذا خضع لقانون العلم ومراقبته.

الصناعة الدوائية وعالم الأعشاب الطبية والبعد الثقافي المهدور

التحدي الأساسي هو المحافظة على الموروث الطبي العربي الإسلامي واستعادة ما تساقط منه أو اختفى، ودراسته علمياً وإخضاعه للتجربة العلمية البحتة وعصرتنه وإعادة إنتاجه بما يتناسب مع احتياجات السوق العالمي المعاصر في سياق تجانس الأصالة مع الحداثة، هذا التحدي يتضمن استخدام كنوز التراث التي لم تدرس ولم تتم الإفادة منها بواسطة بحوث كان يفترض أن تتم على المستوى العربي الرسمي والأكاديمي،

وتوظيف هذه المعرفة لتطوير منتجات عصرية بحيث تتم إعادة الاعتبار من خلال هذه المنتجات إلى التراث الأصيل المنسي، والذي يظنه كثيرون– للأسف– خالياً من الفائدة”. ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى أن إنجازات العرب في مجال الطب النباتي مازالت تحتفظ بقيمتها، بل أصبحت بحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى البحث والتطوير.

لم يتمكن غالبية المعالجين الشعبيين من التعرف إلا على عدد ضئيل من النباتات الطبية وتحديد خصائصها العلاجية، وتعويضا عن ذلك لجأوا إلى استخدام الوصفات التي تقدمها العطارة التقليدية والتي بدورها تعاني من هزال واضح في بلادنا، ووصل الأمر ببعضهم حدا جعله يستخدم نبتة واحدة في معالجة كافة الأمراض والعلل. وبدلا من توسيع آفاقه ومعرفته “جنـّد الشياطين والجن لتحقيق نتائج علاجية!”

محنة الموروث الشعبي العربي

تتجلى محنة الموروث الشعبي في العالم العربي، والذي انفصل كلياً عن النظام الصحي في البلدان العربية وأصبحت له قوانينه وعالمه الخاص، في عزله عن المشهد الصحي وأصبح ملجأ لفقراء الناس على عكس ما هو قائم في الغرب، وحتى عالم العطارة نفسه فإنه في غالبيته، يعتمد على عشرات التوابل والبخور والتي بمعظمها تكون مستوردة من ثقافات ومناطق بعيدة، ويحمل التغافل والإهمال المحزن لتراثنا الطبي في طياته خطراً ثقافيا بالغ الأذى، فضلا عن كونه يشكل إهداراً عبثيا لطاقات اقتصادية هائلة كامنة فيه.

لم يكن العرب يوما مجرد ناقل أو وسيط للثقافات السابقة عليهم، ولم يكتفوا بترجمة ما خلفته الشعوب من وثائق ومدونات، وإنما ساهموا بشكل نوعي وأساسي في تطوير هذا العلم فليس من باب الصدفة أن الفصل بين الصيدلة والطب قد تم بفضلهم، الأمر الذي شكل مؤشرا واضحا على درجة التطور والرقي التي احتلوها آنذاك، الأمر الذي وضع الأساس لعلم الدواء والعقاقير (الأقرباذين)، فظهرت في بغداد أول صيدلية في التاريخ (القرن الثامن)

لقد أضاءت أسماء كبيرة عالم الطب والتداوي بالأعشاب آنذاك، كان أبرزها أبو بكر الرازي وابن سينا وابن رسول وابن حيان وابن البيطار صاحب “الجامع للأدوية المفردة والمركبة”، الذي تضمن حوالي ألف نبتة طبية، منها أكثر من ثلاثمائة نبتة من اكتشاف وإسهام الثقافة العربية الإسلامية.

نباتات وإحصائيات والمشاركة العربية:

من المهم التنبيه إلى أن 70% من الأدوية الحديثة مستحدثة من أصل عضوي (الكائنات الدقيقة وحتى عالمي النبات والحيوان)، وأن 40% من مجمل الأدوية مستمدة مباشرة من النباتات الطبية. فلا غرابة إذن أن يكون حجم الاتجار بالنباتات، ( المكملات الغذائية فقط)، في السوق العالمي قد وصل إلى 60 مليار دولارا أمريكيا عام 1998 وارتفع إلى 65 مليارا عام 1999، مع رصد لمعدل نمو واضح يصل إلى 7% سنويا. وحالياً فإن المنتجات الطبية الطبيعية تعادل أكثر من 100 مليار دولار سنوياً مع معدلات نمو تصل إلى أكثر من 20% سنوياً كما هو الحال في روسيا

كما تجدر الإشارة إلى أن 

علماء النبات يقدرون أن هناك أكثر من مائتي وخمسين ألف ( 250,000) صنف نبات على وجه البسيطة، وقد تم تصنيف حوالي تسعين بالمائة من مجملها تصنيفاً علمياً. معنى ذلك أنه ما زال هناك أكثر من خمسة وعشرين ألف صنف لم يتعرف عليها العلم الحديث بعد.

ووفقاً للتقديرات فأن حولي 2-5 % من مجمل النباتات قد تم استخدامها تراثياً في نطاق العلاج ومقاومة الأمراض، لكن الأمر مختلف في حالة الطب العربي، حيث تصل نسبة النباتات الطبية إلى أكثر من 20 % من مجمل النباتات في الوطن العربي.

مقابل ذلك كله، فان مشاركة العالم العربي في هذا النشاط الاقتصادي الواسع والمتسع ما زالت هزيلة للغاية وتعتمد على تصدير المواد النباتية الخام المشتركة مع الثقافة الغربية (المقبولة لديهم)،

أي أن النباتات التي تميز ثقافتنا ما زالت محايدة ولا يتم تطويرها لتصل إلى مستحضرات دوائية ولا حتى مكملات غذائية، فمن أصل 814 نبتة طبية مدونة في ثقافتنا المعاصرة فإن 23 منها فقط يستخدم في مجال التصنيع الدوائي و 55 نبتة أخرى في مستحضرات التجميل والعطور، و34 نبتة في صناعة الغذاء و10 نباتات تستخدم في تراكيب المبيدات الطبيعية.

من المهم التوضيح أن هذه المعطيات المعتمدة على تقرير” المنظمة العربية للزراعة والتنمية “، لا تعني أن تطويرا لأدوية حديثة قد تم استناداً إلى الطب العربي، وإنما تعني أنه تم تصدير مواد أولية مشتركة مع الثقافة الغربية، مما يؤكد مجددا أنها حتى في صلب “خصوصيتها” ما زالت تعتبر ملحقا في عجلة الاقتصاد الغربي وثقافته.

وما يزيد الطين بلة أن عشرات النباتات الطبية المعتمدة تاريخيا في ثقافتنا اندثرت أو هي في طريقها إلى الانقراض، وذلك لأسباب متعددة أهمها غياب الالتزام الذاتي والمراقبة المهنية لعملية جمع النباتات من قبل المعالجين والناس، ورعي الحيوانات، بالإضافة إلى الآثار التدميرية الناتجة عن التلوث البيئي وحاجات التمدن.

وتبرز أهمية هذا التوجه في هذا الاتجاه في أنه يجعل الباحث الممتلك لأدوات المعرفة والبحث العلمي الحديث، قادراً على المزاحمة في سوق الاقتصاد المدني في ظل تفوق غربي ساحق في مجالات أخرى.

وغني عن التأكيد، أن هذا المجال يعتبر جاذباً لكل الباحثين في العالم حين أصبحت كل جامعة تملك قسماً خاصاً للمركبات الكيميائية الطبيعية والدوائية المشتقة منها.

الصناعات الدوائية العربية لا تمارس أنشطة بحثية لتطوير أدوية خاصة بها

أما إذا رغبت شركة عربية بإنتاج مستحضر يقوم على نبتة شائعة الاستخدام مثل حبة البركة أو الحبة السوداء (القزحة) لعلاج أمراض جلدية كما هو متبع في الطب الشعبي، فعليها استيراد المستخلص النباتي لهذه الحبة من ألمانيا أو أي دولة تمتلك هذه التكنولوجيا وهذا أمر محزن.

وهنا نشير إلى أن هنالك أعداداً هائلة من الكيميائيين العرب القادرين على جعل هذا الحلم حقيقة واقعية لو تم الاهتمام بهم واستثمار معرفتهم ومهنيتهم، حيث أن كثيراً من الباحثين العرب يديرون مشاريع للاستخلاص النباتي ذات المواصفات العالمية المحددة لمكوناته الكيميائية الفعّالة في الدول الأوروبية نفسها.

وتشهد الصناعة الدوائية العربية تطورات جدية في مناطق كثيرة مثل الأردن حيث يعتبر هذا المجال ثاني أبرز مرافقها الاقتصادية، ومع استثناءات نادرة فإن الغالبية العظمى من الصناعات الدوائية العربية لا تمارس أنشطة بحثية لتطوير أدوية خاصة بها مثلما هو حاصل في إسرائيل والدول الغربية.

الطب الشعبي في عالم متغيّر من وجهة نظر اجتماعية

يرى الدكتور سيف الدين قدّي أستاذ علم الاجتماع في جامعة حلب أن الطب العربي ( الشعبي ) هو أحد موضوعات المعتقدات الشعبية العربية ذات الجذور التاريخية القديمة التي جاءت الأديان لتدعيم بعض تفاصيلها,

كما أنّ بعض المعتقدات الشعبية بجملتها هي أعصى ميادين التراث الشعبي على التغيّر, فلديها القدرة على الصمود أحياناً لمواجهة تغيرات المجتمع كما قد تغير بعض تفاصيلها أحياناً أخرى في محاولة لتدعيم بقاءها والمحافظة على استمرارها, ويساعد على دعم هذه الاستمرارية الحاجة إلى الطب الشعبي كطب بديل يسد احتياجات قطاعات عريضة من أبناء هذا المجتمع .

وانحسر اللجوء إلى بعض المعالجين الشعبيين في بعض الشرائح الطبقية كانحسار اللجوء إلى (الداية) في الشرائح العليا والوسطى العليا نظراً لتوافر الإمكانات المادية والوعي الصحي, وتوافر مؤسسات الطب الرسمي مع حرص البعض على التخلي عن رموز التقليدية وتفضيل الجديد واللجوء للطب الرسمي الذي أصبح بعض رموزه- مثل بعض مشاهير الأطباء- مجالاً للتفاخر والتباهي وتأكيد المكانة .

أما عن أثر العوامل الثقافية فقد دعمت الثقافة الشعبية أداء الطب الشعبي لأدواره فهو بداية معتقد متجذر في هذه الثقافة حيث ساندته معتقداتٌ شعبية أخرى فتضمن معالجين شعبيين هم جزء من السياق الثقافي الشعبي مثل الداية والمجبراتي والحلاق والعطار والحاوي وغيرهم ويستمد كل هؤلاء وجودهم وأهميتهم من جذور قديمة متوارثة قد تكون تاريخية كما يستمدونها مما يؤدونه من أدوار متعددة تشبع الاحتياجات العلاجية للكثيرين من المترددين عليهم هذا بالإضافة إلى قربهم المكاني والنفسي من روادهم؟

وتمتعهم بسمات شخصية مفضلة وبشروط تقر أهميتها الثقافة الشعبية كأن يكون الممارس (عمه- خاله.. ) أو أن يكون ( أُماً لتوءم )..الخ

وإلى جانب ذلك استخدام هؤلاء الممارسين الشعبيين لعناصر مألوفة منم الثقافة الشعبية كاستخدام الأدعية والآيات والحكايات أثناء الممارسة والاستعانة بمواد هي عناصر منتشرة ذاتها كاستخدام حجر العقيق, أو تناول أطعمة معينة لتسيير الوضع أو لعناصر متاحة في البيئة الطبيعية كاستخدام الدهون الحيوانية والتمر للتجبير في المناطق اليدوية, واستخدام بعض أعشاب وأسماك وحيوانات البحر للعلاج في المناطق الساحلية.

والجدير بالذكر أنّه مع استمرار وصفات الطب الشعبي, فإن محاولات الإنسان الشعبي للاستفادة من مكونات بيئته لا تتوقف, فمن خلال التجريب والمحاولة والخطأ يستطيع أن يجدد ويبدع ويكتشف عناصر جديدة – قد تكون وقائية أو علاجية أو جمالية – يضفيها 

إلى مخزونها إلى مخزونه الثقافي لتصبح بعد فترة زمنية كافية جزءاً من ثقافته الشعبية .

أما عن وسائل الإعلام والاتصال فقد كان لتطورها أثر في دعم ممارسات الطب الشعبي, حيث كان دعم التلفزيون من خلال البرامج الدينية انتشار استخدام الأدعية والرقى للوقاية والعلاج, كما قدّم من خلال بعض الأعمال الدرامية العديد من الموضوعات المرتبطة بالطب الشعبي, مثل بعض الوصفات العلاجية للعقم وزيارة الأولياء طلباً للشفاء واللجوء إلى الممارسات السحرية للتخلص من الجن, كما دلت السينما بدلوها بإنتاج أفلام تكرِّس تلك المعتقدات الشعبية كأفلام الإنس والجن والزوجة الثانية وغيرها.

وقد أضاف الانترنت في السنوات الأخيرة فرصة جديدة للتدعيم من خلال ما تبثه بعض المواقع من وصفات للطب الشعبي, وأحاديث عن جدوى الطب الوقائي والعلاج القرآني, وطب العيادات, وتكريس الاعتقاد في الجن, وإمكانية تصويرهم وتسجيل أصواتهم… حيث تغلف المعلومة غالباً بسياق من المصطلحات العلمية والطبية لمزيد من التأثير والاقتناع بما يتلاءم مع المتلقين المتعاملين مع مثل هذه الأجهزة الحديثة.

وعلى الرغم مما حققته مؤسسات الطب الرسمي من انتشار وما قد يسفر عنه من وعي صحي وثقافة صحية, فإن بعض هذه المؤسسات مازالت بعيدة عن السياق الثقافي العام لسكان تلك المناطق وغير فاعلة فيه ربما لافتقار إمكانياتها المادية أو البشرية أو لبعدها مكانياً عمن يحتاجون إليه, وهو ما أفرز ثقافة عامة ترى في تلك المؤسسات من عوامل الطرد أكثر مما فيها من عوامل الجذب, الأمر الذي دفع بالبعض إلى تفضيل اللجوء إلى الطب الشعبي.

أخيراً :

ومن هذه الزاوية يصبح إعادة إحياء هذا الموروث والإفادة منه ونقله إلى أجيالنا القادمة جزءاً من تأكيد هويتنا وانتمائنا وخطوة لقطع الطريق ثقافياً على العابثين.

ومع اتساع الفجوة العلمية بين العرب والغرب، لم يتبق للعرب سوى الانطلاق من الأمور التي تضعهم في أفضلية نسبية تمكنهم من التنافس الفعلي الحضاري مع غيرهم، وقد يكون مجال الطب النباتي هو الأفضل، بحيث يكون أمام المنتج النباتي الأوروبي أو الصيني أو الهندي، منتج عربي ضارب الجذور وقادر على التفوق بحكم هذا الاستخدام العريق لتلك المنتجات. وهو أمر يسير وممكن وقد أثبتنا ذلك.

الطب العربي الجذور العربية للطب الحديث

الطب العربي

تصف بريا شيتي (2 يوليو ، ص 19) بعض الجذور العربية للطب الحديث. كان تطوير المستشفيات أحد الابتكارات المهمة في الممارسة الطبية التي تم إدخالها في العالم العربي. قبل العصر الإسلامي ،

كان الكهنة يقدمون الرعاية الطبية إلى حد كبير. قدمت المستشفيات العربية العديد من الميزات التي نراها في المستشفيات الحديثة – على سبيل المثال ، الأطباء المؤهلين ، والنظافة الشخصية والمؤسسية ، والسجلات الطبية ، والصيدليات. كانت المستشفيات أيضًا مؤسسات ، بالإضافة إلى علاج المرضى ، كانت مراكز لتعليم طلاب الطب وتبادل المعرفة الطبية وتطوير الممارسة الطبية.

حدثت التطورات في العلوم والطب في البداية من خلال ترجمة الأعمال العلمية من اللغات الأخرى إلى اللغة العربية. بعد مرحلة الترجمة هذه ، واصل العلماء في العالم العربي والإسلامي تحقيق إنجازات علمية وتكنولوجية أصلية مهمة. العديد من التقنيات التي طوروها ، مثل التقطير والتبلور واستخدام الكحول كمطهر ،

لا تزال قيد الاستخدام. كانت المجتمعات الإسلامية في هذا العصر متعددة الأعراق والأديان ، وقد قدم العلماء والأطباء مساهمات مهمة في العلوم والطب من غير العرب أو المسلمين. على سبيل المثال ، قام المسيحيون بمعظم أعمال ترجمة النصوص إلى العربية. وبالمثل ، لم يكن كل أطباء العصر الإسلامي من العرب. ولد الرازي وابن سينا ​​في إيران الحالية وأوزبكستان على التوالي.

على مدار الـ 600 عام الماضية ، كان تدفق الأفكار والتكنولوجيا بشكل حصري تقريبًا في الاتجاه الآخر ، من الغرب إلى العالم العربي. تفسير هذا التراجع وعواقبه موضوع لا يزال قيد المناقشة حتى اليوم.

في تاريخ الطب ، “الطب الإسلامي” هو علم الطب الذي تم تطويره في الشرق الأوسط ، وعادة ما يُكتب باللغة العربية ، وهي اللغة المشتركة للحضارة الإسلامية. تم الاعتراض على مصطلح “الطب الإسلامي” باعتباره غير دقيق ، نظرًا لأن العديد من النصوص نشأت من بيئة غير إسلامية ، مثل بلاد فارس قبل الإسلام أو اليهود أو المسيحيين.

حافظ الطب الشرق أوسطي على المعرفة الطبية للعصور الكلاسيكية القديمة ونظمها وطورها ، بما في ذلك التقاليد الرئيسية لأبقراط وجالينوس وديوسكوريدس. خلال حقبة ما بعد الكلاسيكية ، كان طب الشرق الأوسط هو الأكثر تقدمًا في العالم ، حيث دمج مفاهيم الطب اليوناني والروماني وبلاد ما بين النهرين والفارسي القديم بالإضافة إلى التقاليد الهندية القديمة في الأيورفيدا ، مع تحقيق العديد من التطورات والابتكارات. تم اعتماد الطب الإسلامي ،

إلى جانب المعرفة بالطب الكلاسيكي ، لاحقًا في طب العصور الوسطى في أوروبا الغربية ، بعد أن أصبح الأطباء الأوروبيون على دراية بالكتاب الطبيين الإسلاميين خلال عصر النهضة في القرن الثاني عشر.

احتفظ أطباء الشرق الأوسط في العصور الوسطى بسلطتهم إلى حد كبير حتى ظهور الطب كجزء من العلوم الطبيعية ، بدءًا من عصر التنوير ، بعد ما يقرب من ستمائة عام من فتح كتبهم المدرسية من قبل العديد من الناس. لا تزال جوانب من كتاباتهم موضع اهتمام الأطباء حتى اليوم.

منقول عن موقع ادلب