34- تعلم سيدنا سليمان منطق الطير

180

34- تعلم سيدنا سليمان منطق الطير

تأملات وعبر من حياة النبي سليمان (ع)

إن رب العالمين اختص داود وسليمان (ع) ببعض الأمور الملفتة.. يقول تعالى في كتابه الكريم: {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا}.. هنا تنكير العلم يوحي بأن الأمر عظيم؛ فلم يبين ماهية هذا العلم، ولا حدوده.. فالتنكير في اللغة العربية تارة يأتي للتحقير، كأن نقول: جاءني رجل، وتارة يراد به التعظيم كقوله تعالى: {عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا}، فلم يقل: المقام المحمود مثلا.

{وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ}.. نلاحظ هنا أدب الأنبياء، حيث جعلا هذا العلم، وهذا الفضل هبة إلهية.. وقد حق لهما أن يقولا ذلك؛ لأن من المعاجز التي أُعطيت لنبي الله دواد (ع)، أن الحديد كان ملينا له، والجبال والطير مسخرة له.. وأما بالنسبة إلى سليمان (ع) فقد أعطي من الغرائب الكثير: كفهمه منطق الطير، والريح كانت بأمره.. فهذه الأمور ليست عادية!..

{وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ}.. ما هو منطق الطير؟.. يقول البعض: بأن المراد بمنطق الطير، هو هذه الأصوات الساذجة من الطيور، والدالة على معنى من المعاني؛ فالطير بحركاته وأصواته الطبيعية يُفهم قصدا.. ولكن بعض علمائنا وبعض المفسرين قالوا: بأن هذا المقدار لا يعد غرابة، حتى الإنسان المزارع الذي يعيش مع الطيور، يعلم المغزى من بعض أصوات الطيور..

وإنما المراد هنا هو أمر ما وراء المعاني التي نفهمها نحن، حيث أن هناك حركة تداول معلومات بين الطيور، لا تفهم عن طريق الأصوات العادية.. وهذا المعنى هو الذي اختص به النبي سليمان صلوات الله وسلامه عليه.. وكلمة {عُلِّمْنَا} ربما يراد بها سليمان وداود: أي الأب والابن، كلاهما كانا يعرفان منطق الطير.

{وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ}.. إن هذه العبارة، لو تفكرنا بها فإنها عبارة كبيرة جدا.. فعندما يصل الأمر إلى بعض الروايات الدالة على سعة علم النبي أو الوصي، فإن البعض يستغرب من ذلك.. والحال بأن سليمان وداود يقولا: {وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ}.. أن كل ما يعطى الإنسان من نعم إلهية.. فالعبارة بحسب ظاهرها مطلقة جدا.. فإذن، نحن أمام نبي له من القدرات ما لم يتيسر لبشر قبله: من تعلم منطق الطير، وتسخير الرياح، وتسخير الجبال، وتسخير الجن أيضا.

{وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ}.. إن هذه القوى الطبيعية من الجن والإنس والطير كانت باختيار نبي الله سليمان.. فنبي الله سليمان مر على وادي النمل فـ{قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ}.. من أين علمت النملة أن هذا هو سليمان؟.. إن الذي ذكرناه قبل قليل، من أن للطير منطقا، وهذا منطق الحشرة، وهذه أعجب!.. لأننا نقول: بأن الحشرات دون الطيور في المستوى، ولكن هذه النملة علمت علما غريب.. فالبعض حاول أن يقول بأن هذه النملة،

وذلك الهدهد: هذا هدهد خاص، وتلك نملة خاصة.. والحال بأنه لا دليل على ذلك.. فنحن لا نميل إلى هذا الرأي بأن هنالك إعجازا، إذ لا داعي لمثل هذا الإعجاز، الذي يحتاج إلى دليل.. فالقرآن نقل نقلا أن النملة قالت كذا والهدهد قال كذا .. فإذن، إن الحمل على الإعجاز خلاف الطبع الأول.

سيدنا سليمان منطق الطير

{فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا}.. لماذا تبسم سليمان؟.. هل لأن هذه النملة تكلمت بهذا الكلام؟.. نحن نعلم أن ديدن المؤمن إذا أراد أن يتعجب هو التبسم لا الضحك.. فالقرآن يقول عن سليمان: {وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ}.. لماذا شكر سليمان ربه؟.. لأنه تذكر بأنه يعلم منطق الطير والحشرات.. فبمجرد أن فهم كلام النملة، تذكر أن هذه هبة إلهية.. فالمؤمن عندما يوفق في صلاة الليل،

ويخشع؛ يتذكر أن يشكر ربه، لأن هذه هبة إلهية.. وعندما يوفق إلى حجة، أو عمرة، أو سفرة إلى مشهد كريم؛ ليبادر قبل كل شيء إلى شكر هذه النعمة الإلهية النازلة عليه.. والتعميم في الدعاء من ديدن المؤمن، إن أردت أن تدعو لماذا لا تحول تاء الفاعل إلى ناء الفاعلين؟.. فبدل أن تقول: اللهم ارزقني!.. قل: اللهم ارزقنا!.. وما ورد في النص من تاء المتكلم متعمدا، وإلا فإن المؤمن لولا النص، لغلّب جانب الجمع على جانب الإفراد.

{أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ}.. هذه دعوة سليمان لوالديه، فكلمة {وَالِدَيَّ} معناه: أن والد سليمان وأيضا أمه منعم عليهما.. وهذا بخلاف ما ورد في كتب القوم في التوراة المحرفة، من أن سليمان ابن امرأة أوريا التي عشقها داود -على زعمهم- فأرسل أوريا الى الحرب ليقتل ويفجر بزوجته.. ويقال أنه بعد أن قام بهذا الأمر أدخلها في أزواجه، فولدت له سليمان.. أي أن سليمان هو ابن هذه الحركة، التي لا نتوقعها لإنسان له أدنى درجات الوجدان والحس الإنساني.. ولكن في منطق القرآن الكريم، نعلم أن أم سليمان امرأة طاهرة نقية، أنعم الله عليها.. إذ جعلها وعاء لولادة هذا النبي، الذي أعطي من الملك ما لم يعهد في تاريخ البشرية.

{وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ}.. في ذيل هذه الآية معنيان كبيران: المعنى الأول: أن أعمل صالحا ترضاه لي، فالعمل الصالح قد يكون صالحا، ولكن لا يرضاه الرب.. مثلا إنسان في ظرف من الظروف بإمكانه أن يسافر سفرة عبادة -عمرة مثلا- فهذه السفرة مطابقة لمزاجه، ولكن في المقابل يهمل أمر عائلته، كأن يكون له والدة مريضة، تحتاج إلى رعاية.. فالعمرة عمل صالح، ولكن لا يرضاه الله عز وجل.. فإذن،

إن المؤمن لا يفكر في العمل الصالح فحسب!.. ولكن يفكر في العمل الصالح المرضي..ومعنى ذلك: أن الأعمال الصالحة ذات درجات، والمؤمن الكيس الفطن، هو الذي يشخص سلم الأولويات، ويقدّم الأهم ثم المهم.. وذلك بلا شك يحتاج إلى بصيرة إلهية، وإلى نفاذ في بصيرة الإنسان المؤمن.

{وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ}.. يقول العلماء: إن هناك صلاحا فعليا، وهناك صلاحا ذاتيا.. فالمؤمن لابد وأن يجمع بين الصلاحين: صلاح فعلي، وصلاح فاعلي.. أي صلاح في العمل الصالح، وصلاح في الذات الصالحة.. وهنا سليمان أسند العمل الصالح إلى نفسه، فقال أن أعمل عملا صالحا.. فإذن، إن العمل الصالح يحتاج إلى جهد من العبد.. ونحن نعلم بأن الإنسان مخير، ولو كان مسيرا لما أعطي الأجر.. وعليه، فإن العمل الصالح إلى من يقوم به، وهو العبد.. ولكن الذات الصالحة، تحتاج إلى ترشيح إلهي..

ولهذا جعله لله عز وجل حيث قال: {وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ}.. فالإدخال في العباد الصالحين انتجاب، وانتخاب للذات.. وهذه الذات المصطفاة المختارة، تحتاج إلى جذب إلهي، وتحتاج إلى اصطفاء رباني.. فإذن، عليَّ بالعمل الصالح لأحقق العمل الصالح.. والذات الصالحة تحتاج إلى جذبة ربانية.. وهناك من العلاقة ما بينهما ما لا يخفى.

{وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ}.. هذا الطير ذهب إلى مملكة سبأ، يتفقد الأحوال والأوضاع، ويأتي وهو في درجة عالية من اليقين ويقول: {إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ}.. هذا وصف ظاهري، أما ديانتهم فقد قال فيهم: {وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ}.

وقد جاء الهدهد بوصف قلما يخطر على بال المتكلمين من البشر فقال: {الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}.. فرب العالمين هو الذي يخرج ما كان عدما قبل ذلك.. فالوجود برمته كان معدوما مخبأ، ورب العالمين بقدرته، وبإرادة واحدة قلب العدم إلى الوجود.. هذا الرب الذي يستحدث الوجود من العدم تركوه وعبدوا الشمس التي تعتبر مصداقا لمصاديق هذا الوجود.

{وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ}.. انتقل إلى صفة لها تأثيرها في سلوكنا.. لماذا لا نراقب هذا الرب الذي أخرج الوجود من العدم تارة، وتارة يطلع على خبايا نفوسنا؟.. هذا الرب الذي هو {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ}.. فالهدهد من أين علم العرش؟.. ومن أين علم هذا الوصف، وصف الربوبية؟.. لا ندري، هل كل هدهد كذلك؟.. كما قلنا في بداية الحديث: نحن نعتقد بظاهر الآيات، بأن طبع الطير له منطقه وفهمه، وإن خفي على الآدميين.

بعد ذلك فلننظر إلى الحوارية بين سليمان وبين بلقيس: أولا بعث إليهم بكتاب، وكان بإمكان سليمان أن يجهز جيشه -كعادة الملوك- ويفتح مملكة سبأ.. وهو الذي له الجن والإنس والطير والريح وما شابه ذلك، لا يعجز أمام بلقيس.. ولكن فلننظر إلى ما نسميه اليوم بالحركة الحضارية للحركة السلمية، لإتمام الحجة.. فبعث إليهم بكتاب كريم {إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ}.. أي أن كنتم تريدون الفوز والنجاة، فعليكم بالتعبد الشرعي.. يقال بأن الإسلام هنا ليس المراد به الدين، وإنما الانقياد.. فالأمور كلها تابعة لهذا الانقياد، والإنسان الذي لا انقياد له لا ينفع في مسيرة التكامل.

{قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ}.. هذا منطق الديمقراطية المدعاة اليوم.. تقول بلقيس: أن لي رأي، وأنتم لكم رأيكم.. فبينوا لي ما هي وجهة النظر الصائبة؟..

{قَالُوا نَحْنُ أُوْلُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ}.. أي نحن قوة عسكرية، ولكن لا نعلم ما هي الحكمة؟.. فأنت أدرى بالأمور السياسية!.. إن هؤلاء الجنود علموا حدودهم، لأن النظر والاقتراح يحتاج إلى تخصص.. فهذه هي النزاهة والموضوعية حتى عند الكفرة.

{قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ}.. هذه المقولة المعروفة من كلمات بلقيس، تعني: يا أيها الملأ!.. لماذا نتصادم مع سليمان، فسليمان صاحب قوة وبطش -كانت بلقيس تعد سليمان كباقي ملوك الأرض- فهؤلاء إذا دخلوا البلاد وفتحوها، جعلوا أعزة أهلها أذلة؟.. ولهذا قبل أن نتورط معهم، {َإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ}.. تريد بلقيس بذلك أن تجس النبض، ولتعرف هل سليمان صاحب هدف دنيوي، وصاحب ملك أرضي، أم له رسالة أسمى من ذلك!..

{فَلَمَّا جَاء سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ}.. بين لهم سليمان بأن هذه الهدية المالية، لا يمكن أن تثني عزمه عن الهدف الرسائلي.

بعد ذلك رأى سليمان أن يستغل الهبات التي أعطاها إياه الله عز وجل: من جن، وريح، وطير.. للانتصار على بلقيس، وبما ينفع رسالته.. فـ{قَالَ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ}.. بدلا من الغزو والفتح والقوة العسكرية، لماذا لا نجلب عرشها من سبأ، لتعلم أن سليمان متصل بعالم القدرة الإلهية القاهرة، لعل هذه الحركة تكون سببا بإيمان بلقيس وجمعها.

{قَالَ عِفْريتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ}.. الغريب أن هذا العفريت مفسر بكتب التفسير بأنه مارد خبيث، سبحان الله!.. مارد خبيث وله هذه القدرة أن يأتي بعرش بلقيس، قبل أن يقوم سليمان من مقامه!.. وإذا سمع إنسان عن كرامة أو قدرة خارقة لولي من أولياء الله الصالحين، أو لإمام من أئمة الهدى، يعتبرها خرافة ومبالغة وغلو.. ولو كان هذا المارد يدعي هذه القدرة الخارقة لنفاه القرآن الكريم ولأسكته سليمان.. فرغم أنه عفريت، إلا أنه يقول: أنا آتيك بالعرش، وأمين في عملي.

{قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ}.. يقال أنه الخضر، ويقال أنه الوصي آصف.. فهذا الذي عنده علم من الكتاب، قام بهذا الأمر، فكيف بمن عنده علم الكتاب؟!.. أي علي بن أبي طالب عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والتسليم.

فإذن، إن الدرس العملي من قصة سيدنا سليمان هي: ألا نستغرب من عطاءات رب العالمين، فرب العالمين إذا أراد أن يعطي عطاء، سخر الريح والطير والجن ودواب الأرض، لصالح الإنسان المؤمن، ولصالح الحركة الإيمانية.. فإذا كان رب العالمين سخر جنود السماوات والأرض لوليه، ينبغي أن يعيش الإنسان حالة من الأمن والأمان.

وفي زماننا هذا فإن إمامنا المهدي -صلوات الله عليه وعلى آبائه- هو وارث علم الأنبياء والأوصياء، وسيقوم بمهمة أعظم من مهمة سيدنا سليمان، لابد وأن الله عز وجل يمكنه من هذه القدرات الهائلة، التي مكنها لسليمان في يوم من الأيام.. فرب العالمين هو صاحب الجن، وهو رب العفريت، وهو رب الهدهد والنمل والريح، وهو رب الحديد الذي لينه لداود عليه وعلى نبينا السلام.. فالرب هو الرب، إذا شاء رب العالمين لفعل ما فعل {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ}.

علم سليمان عليه السلام منطق الطير وهو

علم سليمان عليه السلام منطق الطير وهو الطريقة التي تتخاطب بها مع بعضها البعض .

ويقول بعض المفسرون أن سليمان عليه السلام كان يفهم ما في ضمائر الحيوانات ولا يسمع صوتها بل كان يعلم عن طريق الإلهام من الله عز وجل، وقال أخرون وأن ملكًا كان يخبره بذلك، لكن في الحقيقة فإن معرفة منطق الطير ولغة النمل هي معجزة خارقة للعادة خص الله بها سليمان عليه السلام. 

قصة سيدنا سليمان في القرآن

قال تعالى في سورة النمل : ” وورث سليمان داوود وقال يا أيها الناس علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيء إن هذا لهو الفضل المبين”.

ومعنى ورثه هو أن سليمان عليه السلام ورث النبوة من أبيه داوود، فقد كان لداود أبناء أخرين غير سليمان، وأيضًا فإن الأنبياء لا يورثون أموالًا وذلك لحديث النبي عليه الصلاة والسلام: ” ” لا نورث ما تركنا فهو صدقة” ، وذلك دليل على أن سليمان لم يرث مال بل ورث الملك والنبوة من أبيه عليهما السلام.

وقد كان عليه السلام يخاطب الطير بلغاته ويخبر الناس بمقاصدها، ويروي ابن كثير في كتابه أن سليمان عليه السلام قد مر بعصفور يدور حول عصفورة، فقال سليمان لأصحابه أتدرون ما يقول، قال سليمان: يخطبها لنفسه، ويقول لها زوجيني نفسك أسكنك أي غرف دمشق شئت.

وقال سليمان عليه السلام لأصحابه أن غرف دمشق مبنية من الصخور ولا يقدر يسكنها أحد ولكن كل خاطب كاذب.

ويقول بعض المفسرون أن سليمان عليه السلام كان يعرف لغات كل المخلوقات، وذلك لقول الله عز وجل: ” وأوتينا من كل شيء”

فقد سخر الله عز وجل لسليمان عليه السلام كل ما يحتاج إليه ملكه، من آلات وعدد وجنود وجماعات من الجن والإنس والوحوش والطيور والعلوم وطرق التعبير ، وحتى أنه كان يفهم ما في ضمائر المخلوقات سواء الناطقات أو الصامتات.

قصة النبي سليمان مع النمل

يروي ابن كثير أن سليمان عليه السلام خرج ذات يوم ومعه جيوشه الثلاثة من البشر والجن والطير، فكان الجن والإنس يسيرون معه، والطير يظللهم بأجنحته من الحر، فلا يتقدم أحد أو يتأخر أحد منهم عن موضعه.

وبينما هم يسيرون مروا على وادي النمل قالت نملة لأصحابها من النمل ادخلوا مساكنكم حتى لا يحطمنكم سليمان وجنوده.

ففهم سليمان عليه السلام ما خاطبت به النملة قومها، فتبسم وظهر على وجهه الاستبشار والسرور لما سمعه منها من رأي سديد أشارت به على أصحابها، وبما أطلعه الله عز وجل عليه من حديث النمل، ولم يطلع أحد غيره عليه.

ويقول بعض الناس أن الدواب كانت تنطق قبل عهد سليمان عليه السلام وتخاطب الناس، لكن هذا الحديث لو كان صحيح لما كان لسليمان مزية على باقي البشر، وقد سأل سليمان عليه السلام المولى عز وجل أن يقيضه للشكر على ما أنعم  به عليه، وعلى ما خصه بها من مزايا.

قصة سيدنا سليمان مع الهدهد

كان الله عز وجل قد سخر سليمان طيور من كل الأصناف لتقوم على فعل ما يطلبه منها، وكانت وظيفة الهدهد في جيش سليمان عليه السلام هي البحث عن الماء في تخوم الأرض، فإذا دلهم الهدهد على مكانه، حفروا ليستخرجوه .

فكان سليمان عليه السلام يتفقد الطير فلم يجد الهدهد في الموضع المحدد له، فتوعده سليمان بالعذاب أو بالذبح إذا لم يكن لغيابه سبب وجيه.

فلم يغيب الهدهد طويلًا وعاد وقال لسليمان عليه السلام، أنه قد اطلع لم يطلع عليه في بلاد اليمن، حيث آل الملك حينئذ إلى سيدة ابنة ملكهم وكان الملك قد آل إليها بعد موت أبيها وهي بلقيس بنت السيرح، وقد أوتيت من كل ما يؤتى للملوك.

وكان لها عرشًا عظيمًا مزخرف بجميع أنواع اللأليء والجواهر والحلي الباهر، وكان هؤلاء القوم كافرون يعبدون الشمس من دون الله.

فقام سيدنا سليمان عليه السلام بإرسال كتاب إليها مع الهدهد ليدعوها إلى عبادة الله الواحد، فذهب الهدهد إليها وهي بمفردها وألقى إليها الكتاب، ووقت ينظر ليرى ماذا ستصنع.

فجمعت وزرائها لتستشيرهم فيما ألقي إليها، فقال لها مستشاريها أنهم قوم ذوي بأس وقوة، ولهم مقدرة على الحرب لكنهم يرجعون الأمر في النهاية إليها.

سيدنا سليمان منطق الطير

فكان رأيها أن هذا الملك الذي أرسل الكتاب لو تمكن من دخول بلدها لنزع ملكها وملكهم، وقررت أن ترسل له الهدايا وتنتظر رده على رسلها.

وكانت هدية بلقيس بها أمور عظيمة، لكن سليمان عليه السلام لم يقبلها لأنهم كافرون، وأخبر الرسل أنه سيبعث لهم جنودًا لا يستطيعون نزالهم.

فلما سمعت بلقيس وقومها رد سليمان قررت أن تبادر هي إليه ليسمعوا كلامه، فلما علم سليمان عليه السلام  قال للجن المسر له، من يأتيني بعرشها قبل أن تصل إليه، فقال رجل من علماء بني إسرائيل أنه سيأتيه بالعرش قبل أن يرتد إليه طرفه أي قبل أن يطبق جفنه.

وطلب منه سليمان أن يضلله قليلًا، فلما دخلت بلقيس سألها عن العرش قالت له كأنه هو فقد استبعدت أن يصل عرشها من اليمن إلى بيت المقدس وهي خلفته ورائها قبل رحيلها.

وقد أمر سليمان الجن ببناء صرح من زجاج في ممر من ماء وبه أسماك وغيرها من حيوانات الماء، وأمر بها أن تدخل الصرح، فلما دخلت حسبت نفسها وسط الماء وأسلمت مع سليمان عليه السلام.

قصة سليمان مع الجن

كان سليمان عليه السلام يتجرد في بيت المقدس فيبقى سنة وسنتين أو شهر وشهرين أو أقل أو أكثر، فدخل محرابه ومات وهو متكأ على عصاه، وكانت الشياين تعمل لخدمته ويخافون أن يتوقفوا عن العمل فيخرج ويعاقبهم.

فبعث الله عز وجل دابة الأرض تأكل عصاه، حتى وصلت لجوف العصا ضعفت وثقل عليها الجسد فسقط، فعلم الجن أنه مات، وكان قد مات قبل سنة، فعلم الناس أن الجن والشياطين لو كانوا يعلمون الغيب، لعلموا بموت سليمان عليه السلام.