6- ما هو الإيمان بالله
6- ما هو الإيمان بالله
الإيمان بالله هو
الإيمان بالله هو الاعتقاد الجازم بوجود الله تعالى وربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته . والإيمان بالله هو الركن الأول من أركان الإيمان. ويمكن الاستدلال على ذلك من الحديث التالي. عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: (بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد، حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه، وقال: يا محمد، أخبرني عن الإسلام؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً. قال: صدقت، قال: فعجبنا له يسأله ويصدقه، قال: فأخبرني عن الإيمان؟ قال: أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره. قال: صدقت..).
محاور الإيمان بالله
- الإيمان بوجود الله سبحانه وتعالى
- الإيمان بربوبية الله سبحانه وتعالى
- الإيمان بألوهية الله سبحانه وتعالى
- الإيمان بأسماء وصفات الله سبحانه وتعالى
الإيمان بوجود الله سبحانه وتعالى : عدد اركان الايمان ستة أولها الإيمان بالله. الإيمان بوجود الله سبحانه وتعالى أمر محسوم عند أصحاب الفطرة السوية والعقول السليمة. ودلالة الفطرة حديث النبي صلى الله عليه وسلم (مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِه، أَوْ يُنَصِّرَانِه، أَوْ يُمَجِّسَانِه) رواه البخاري. أي أن الإيمان بوجود الله سبحانه وتعالى فطري ضروري عند كل الناس وإن كان بعض الناس قد انصرف عن الفطرة السوية وأنكر وجود الله سبحانه وتعالى فهو قد خرج عن الفطرة وهو بحاجة إلى التأمل والتفكر للعودة إلى الفطرة السليمة.
ودلالة العقل قول الله سبحانه وتعالى في سورة الطور: (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُون * أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بَل لاَّ يُوقِنُون). هل يعقل أن تكون كل الكائنات والمخلوقات موجودة من تلقاء نفسها أو موجودة صدفة؟ لا بد لكل الكائنات والمخلوقات من خالق وهو الله سبحانه وتعالى. بالإضافة إلى ذلك، فإن الآيات الكونية ومعجزات الأنبياء هي دليل قطعي على وجود الله سبحانه وتعالى.
الإيمان بربوبية الله سبحانه وتعالى : معنى الإيمان بربوبية الله سبحانه وتعالى الإيمان بأن الله سبحانه وتعالى هو رب كل شيء ومليكة وأن الله سبحانه وتعالى له الأمر كله وإليه يرجع الأمر كله وليس له في ذلك شريك. هناك الكثير من الأدلة من القرآن الكريم على ربوبية الله سبحانه وتعالى. قال الله تعالى في سورة الأعراف (أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ الله رَبُّ الْعَالَمِينَ) وفي سورة البقرة (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا) وفي سورة فصلت (سَنُرِيْهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ).
والإيمان بربوبية الله سبحانه وتعالى يكون بالإيمان والتصديق التام والاعتقاد الجازم دون أدنى شك أن الله سبحانه وتعالى هو رب كل شيء وهو الخالق والرازق والمحيي والمميت وحده لا شريك له. كما أن الإيمان بربوبية الله سبحانه وتعالى يتحقق بالتصديق التام والاعتقاد الجازم الذي يدعو إلى توحيد الله سبحانه وتعالى وحمده وشكره لأن الله سبحانه وتعالى هو المستحق للعبادة دون سواه.
الإيمان بألوهية الله سبحانه وتعالى : الإيمان بربوبية وبألوهية الله سبحانه وتعالة يكون بالإيمان بكلمة لا إله إلا الله. ومعنى كلمة لا إله إلا الله أن لا معبود بحق إلا الله سبحانه وتعالى فالله سبحانه وتعالى وحده المستحق لكل أنواع العبادة الظاهرة والباطنة ولكل أنواع العبادة سواء بالأقوال أو بالأفعال وأن تكون كل أنواع العبادة خالصة لله سبحانه وتعالى دون سواه. قال الله تعالى في سورة البقرة (وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ) (اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ).
وفي حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أشهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، و أنِّي رسولُ اللهِ، لا يلْقَى اللهَ بِهِما عبدٌ غيرُ شاكٍّ فِيهِما إلَّا دخَلَ الجنةَ) وفي حديث آخر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ مَاتَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لاَ إِلٰهَ إِلاَّ الله دَخَلَ الْجَنَّةَ). في قول الشيخ ابن عثيمين (حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، وحق العباد على الله ألا يعذب من لا يشرك به شيئاً).
الإيمان بأسماء وصفات الله سبحانه وتعالى : من محاور الإيمان بالله تعالى الإيمان بأسماء وصفات الله سبحانه وتعالى. والإيمان بأسماء وصفات الله سبحانه وتعالى من القرآن الكريم أو السنة النبوية من غير تحريف أو تعطيل أو تكييف أو تمثيل وهي من الأمور التي تنافي تحقيق الإيمان بأسماء وبصفات الله سبحانه وتعالى. قال الله تعالى في سورة الأعراف (وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) وفي سورة الشورى (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ).
فالله سبحانه وتعالى ليس كمثله شيء في ربوبيته وفي ألوهيته وفي أسمائه وفي صفاته. وهنا نستذكر قول الشيخ ابن عثيمين (أسماء الله تعالى توقيفية، لا مجال للعقل فيها، وعلى هذا فيجب الوقوف فيها على ما جاء به الكتاب والسنة، فلا يُزاد فيها ولا يُنْقَص، لأن العقل لا يمكنه إدراك ما يستحقه تعالى من الأسماء، فوجب الوقوف في ذلك على النص) فالإيمان بأسماء وبصفات الله سبحانه وتعالى من الإيمان بالله.
تقوية الإيمان بالله
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثلاثٌ من كُنَّ فيه، وجَد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون اللهُ ورسوله أحَبَّ إليه مما سواهما، وأن يحب المرءَ لا يحبه إلا لله، وأن يَكرهَ أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه، كما يَكرهُ أن يُقذَف في النار) من اجل تذوق حلاوة الإيمان يجب تقوية الإيمان بالله تعالى من خلال بعض الأمور مثل تدبر القرآن الكريم لأن تدبر القرآن الكريم يقوي الإيمان بالله تعالى مع الحرص على تدبر معاني القرآن بنية صالحة وهي تقوية الإيمان بالله.
من سبل تقوية الإيمان بالله سبحانه وتعالى أيضًا قراءة سيرة وأخلاق النبي صلى الله عليه وسلم وأخلاق الصحابة الكرام والاقتداء بهم وهذا الأمر يحث على الاجتهاد للتقرب من الله سبحانه وتعالى. علاوًة على ذلك، فإن محاسبة النفس هي من الأمور المفيدة في تقوية الإيمان لأنها تذكر الإنسان بضعفه وتقصيره وتحث على الطاعة لله سبحانه وتعالى. وأخيرًا، هناك بعض الأمور المفيدة مثل مجالسة الصالحين وحضور الحلقات والخطب الدينية النافعة والإكثار من الدعاء لله سبحانه وتعالى عسى الله سبحانه وتعالى أن يتقبل منا ومنكم.
الإيمان بالله – تعالى – هو الأصل الأول من أصول الإيمان، بل هو الأصل الأصيل الذي من أجله خلق الله السماوات والأرض، وخلق الجنة والنار، ونصب الميزان وضرب الصراط، وخلق لذلك كل الناس كما قال سبحانه: ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون).
والعلم بالله – سبحانه – والإقرار بربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته أساسيات من أساسيات الإيمان بالله، وعلى المسلم أن يتعرف على هذه الأمور وكل ما يتعلق بالله – – عز و جل – حتى يصح له إيمانه ويسلم له اعتقاده، وهذه لمحة سريعة عن هذا الأصل من أصول الإيمان:
الإيمان لغة: هو التصديق.
واصطلاحاً: قول باللسان، واعتقاد بالجنان، وعمل بالأركان. وهو الاعتقاد الجازم بأن الله رب كل شيء ومليكه، وأنه الخالق الرزاق المحيي المميت، وأنه المستحق لأن يفرد بجميع أنواع العبادة والذل والخضوع، وأنه المتصف بصفات الكمال المنزه عن كل عيب ونقص.
والإيمان بالله – سبحانه – يتضمن توحيده في ثلاث:
1- الإيمان بربوبيته.
2- الإيمان بألوهيته.
3- الإيمان بأسمائه وصفاته.
توحيد الربوبية
ومعناه الإجمالي: الاعتقاد الجازم بأن الله رب كل شيء ومليكه ومدبره، لا رب غيره، ولا مالك سواه.
وبيانه: أن الرب في اللغة هو المالك المدبر، وربوبية الله على خلقه تعنى تفرده سبحانه في خلقهم وملكهم وتدبير شؤونهم.. فتوحيد الله في الربوبية هو الإقرار بأنه – سبحانه – هو الخالق والمالك لهم، ومحييهم ومميتهم ونافعهم وضارهم، ومجيب دعائهم عند الاضطرار، والقادر عليهم ومعطيهم ومانعهم، وله الخلق وله الأمر كله كما قال – سبحانه وتعالى – عن نفسه: ( ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين )( الأعراف الآية : 54 ) .
ومما يدخل في هذا التوحيد الإيمان بقدر الله – سبحانه -: أي الإيمان بأن كل محدث صادر عن علم الله – عز وجل – وإرادته وقدرته، وأنه علم ذلك في الأزل وقدره وكتبه فهو يقع على مراده سبحانه ولا يخرج عنه أحد من خلقه.
وبعبارة أخرى فان هذا التوحيد معناه الإقرار بأن الله – عز وجل – هو الفاعل المطلق في الكون: بالخلق، والتدبير، والتفسير، والتيسير، والزيادة، والنقص، والإحياء، والإماتة، وغير ذلك من الأفعال، لا يشاركه أحد في فعله – سبحانه -.
وقد أفصح القرآن الكريم عن هذا النوع من التوحيد جد الإفصاح ولا تكاد سورة من سوره تخلو من ذكره أو الإشارة إليه، فهو كالأساس بالنسبة لأنواع التوحيد الأخرى؛ لأن الخالق المالك المدبر، هو الجدير وحده بأن يوحد بالعبادة والخشوع والخضوع، وهو المستحق وحده للحمد والشكر، والذكر، والدعاء، والرجاء، والخوف، وغير ذلك .. والعبادة كلها لا تكون ولا تصح إلا لمن له الخلق والأمر كله.
ومن جهة أخرى فإن الخالق المالك المدبر هو جدير وحده بصفات الجلال والجمال والكمال؛ لأن هذه الصفات لا تكون إلا لرب العالمين، إذ يستحيل ثبوت الربوبية والملك لمن ليس بحي، ولا سميع، ولا بصير ، ولا قادر ، ولا متكلم ، ولا فعَّال لما يريد، ولا حكيم في أقواله وأفعاله.
ولهذا فإنا نجد أن القرآن الكريم قد ذكر هذا النوع من التوحيد في مقام الحمد لله، وعبادته والانقياد له، والاستسلام، وفي مقام بيان صفاته الجليلة وأسمائه الحسنى.
– ففي مقام الحمد يتلو المسلم في كل ركعة يصـــليها: ( الحمـد لله رب العالمين ) ( الفاتحة : 2 )، وقوله – سبحانه وتعالى -: ( فلله الحمد رب السموات ورب الأرض رب العالميـن ) ( الجاثية : 36 ).
– وفي مقام الاستسلام والانقياد له – عز وجل -: ( قل إن هدى الله هو الهدى وأمرنا لنسلم لرب العالمين ) ( الأنعام الآية : 71 ).
– وفي مقام التوجه لله – عز وجل – وإخلاص القصد إليه قال – سبحانه وتعالى -: ( قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين ) ( الأنعام : 162 ).
– وفي مقام تولي الله – عز وجل – دون غيره قال – سبحانه -: ( قل أغير الله اتخذ ولياً فاطر السموات والأرض وهو يُطْعِمُ ولا يُطْعَم قل إني أمرت أن أكون أول من أسلم ولا تكونن من المشركين ) (الأنعام : 14 ).
– وفي مقام الدعاء قال الله – عز وجل -: ( ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين ، ادعوا ربكم تضرعاً وخفية إنه لا يحب المعتدين ) ( الأعراف : 54 – 55 ).
– وفي مقام عبادة الله – تعالى – قال – سبحانه –: ( وما لي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون )(يس : 22) وقال أيضاً: (يأيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون. الذي جعل لكم الأرض فراشاً والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقاً لكم فلا تجعلوا لله أنداداً وأنتهم تعلمون ) ( البقرة : 21 ، 22 ) .
وتوحيد الربوبية وحده لا يكفى في دخول الإسلام وتوضيح ذلك:
مثل قوله – تعالى – آمراً نبيه – صلى الله عليه وسلم – بأن يسأل قومه لما أبوا النطق بلا إله إلا الله قل من المالك، الخالق، الرازق، فيجيبون بأنه الله، فهم معترفون بوجود الله وإيجاده للخلق والرزق ويقرون بقدرته على التصرف، لكنهم لما أمروا بأن يصرفوا أفعالهم له أبوا وامتنعوا وقالوا: ( أجعل الآلهة إلهاً واحداً إن هذا لشيء عجاب ) (ص: 5)، فلما أنكروا العبودية لم يدخلوا في الإسلام بإضافة أفعال الله له،
لأن أفعال الله لا مدخل لهم فيها، وإنما المطلوب والغرض أن يؤدوا ما خلقهم الله من أجله، لأن الله جعل لهم في أفعالهم مشيئة واختياراً بعد مشيئة الله – تعالى -؛ فأما خلق الكائنات فلا مجال لإنكاره وحتى خَلَقَهُم مُسيرين لا مخيرين، قال – تعالى -: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبـدون) ( الذاريات : 56 ) ، فأسند الفعل الأول له وطلب الفعل الثاني منهم وهو عبادته كما أمر الله بها في عدت آيات. فعبادة الله امتثال لأمره وترك العبادة معصية لخالقهم فمن هذه العجالة يتضح معنى ( لا إله إلا الله ) بأنه لا معبود بحق إلا الله وهذا أوضح تفسير لها. فتقييد العبادة ( بحق ) ليبطل ما يصدر من العبادات الباطلة لسائر ما يتأله من دون الله.
ومن الأدلة على أن توحيد الربوبية لا يدخل في الإسلام:
قِتالُ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كفار قريش لاعتراضهم بقدرة الله وإيجاده للخلق قال – تعالى -: ( قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون سيقولون لله قل أفلا تذكرون قل من رب السموات السبع ورب العرش العظيم سيقولون لله قل أفلا تتقون قل من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه إن كنتم تعلمون سيقولون لله قل فأنى تسحرون ) (المؤمنون: 89 ).
وقال – سبحانه وتعالى -: ( ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن خلقهن العزيز العليم ).
فما هذا التذكير الذي وبخوا بالانصراف عنه إلا إفراد الله بالعبادة، فلو كان الإقرار بقدرة الله هو الإسلام لكانوا متقين متذكرين وما استحقوا التوبيخ لعدم التقوى والتذكر ولما وصفوا بالإفك في قوله – تعالى -: ( ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله فأنى يؤفكون ). (من كتاب الأسئلة والأجوبة في العقيدة ).
توحيد الألوهية:
ومعناه بعبارة إجمالية: الاعتقاد الجازم بأن الله – سبحانه – هو الإله الحق ولا إله غيره وإفراده – سبحانه – بالعبادة.
وبيانه:
أن الإله هو المألوه، أي المعبود، والعبادة في اللغة: هي الانقياد والتذلل والخضوع، وقد عرفها بعض العلماء: بأنها كمال الحب مع كمال الخضوع.
فتوحيد الألوهية مبنى على إخلاص العبادة لله وحده في باطنها وظاهرها بحيث لا يكون شيء منها لغيره سبحانه، فالمؤمن بالله يعبد الله وحده ولا يعبد غيره فيخلص لله المحبة، والخوف، والرجاء، والدعاء، والتوكل، والطاعة، والتذلل، والخضوع، وجميع أنواع العبادة وأشكالها.
وهذا النوع يتضمن في حقيقته جميع أنواع التوحيد الأخرى. فيتضمن توحيد الله في ربوبيته وأسمائه وصفاته وليس العكس؛ فإن توحيد العبد لله في ربوبيته لا يعني أنه يوحده في ألوهيته فقد يقر بالربوبية ولا يعبد الله – عز وجل -، وكذلك توحيد الله في أسمائه وصفاته لا يتضمن أنواع التوحيد الأخرى،
ولكن العبد الذي يوحد الله في ألوهيته على الخلق فيقر بأنه سبحانه هو وحده، المستحق للعبادة وأن غيره لا يستحقها ولا يستحق شيئاً منها يقر في الواقع بأن الله رب العالمين، وبأن له الأسماء الحسنى، والصفات الكاملة لأن إخلاص العبادة لا يكون لغير الرب ولا يكون لمن فيه نقص. إذ كيف يعبد من لم يخلق ولم يدبر أمر الخلق، وكيف يعبد من كان ناقصاً.
ومن هنا كانت شهادة أن ( لا اله إلا الله ) متضمنة لجميع أنواع التوحيد: فمعناها المباشر؛ توحيد الله في ألوهيته الذي يتضمن توحيد الله في ربوبيته وأسمائه وصفاته.
من أجل ذلك كان هذا التوحيد أول الدِّين وأخره، وباطنه وظاهره ومن أجله خلقت الخليقة، كما قال تعالى: ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون )
( الذاريات : 56 ) .
يقول الإمام ابن تيمية – رحمه الله تعالى -: وهذا التوحيد هو الفارق بين الموحدين والمشركين، وعليه يقع الجزاء والثواب في الأولى والآخرة، فمن لم يأت به كان من المشركين.
ومن أجل هذا التوحيد أرسلت الرسل، وأنزلت الكتب فما من رسول أرسله الله إلى العباد إلا وكان هذا التوحيد أساسَ دعوته وجوهرها، قال الله – عز وجل -: ( ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت ) ( النحل : 36 ) وقال – سبحانه -: ( وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون ) ( المؤمنون : 22 ) .
وأخبر الله – سبحانه – عن رسله: نوح، وهود، وصالح، وشعيب، أنهم كانوا جميعاً يقولون لأقوامهم هذه الكلمة ( اعبدوا الله مالكم من إله غيره ) ( الأنبياء : 25 ، وهود : 61 ، والأعراف : 65 ).
ويستلزم توحيد الألوهية أن نتوجه إليه – سبحانه – وحده بجميع أنواع العبادة وأشكالها، ونخلص قلوبنا فيها من آية وجهة أخرى، وهذه عبارة تدخل فيها أمور كثيرة نذكر منها:
1– وجوب إخلاص المحبة لله – عز وجل – فلا يتخذ العبد نداً لله في الحب يحبه كما يحب الله، أو يقدمه في المحبة على حب الله – عز وجل – فمن فعل ذلك كان من المشركين قال الله – تعالى -: ( ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبـــاً لله ) ( البقرة : 165 ) . فمن الشرك الأكبر الذي لا يغفره الله إلا بالتوبة منه: أن يتخذ العبد من دون الله نداً يحبه كما يحب الله – عز وجل -.
2– وجوب إفراد الله – تعالى – في الدعاء، والتوكل، والرجاء فيما لا يقدر عليه إلا هو – سبحانه – قال الله – عز وجل -: ( ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذاً من الظالمين ) (يونس : 106 ) ، وقال الله – تعالى -: ( وعلى الله فتوكلوا إن كنـتم مؤمنين ) (المائدة : 24 ) ، وقال – سبحانه وتعالى -: ( إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله والله غفور رحيم ) ( البقرة : 218 ) .
3– وجوب إفراد الله – عز و جل – بالخوف منه، فمن اعتقد أن بعض المخلوقات تضر بمشيئتها وقدرتها فخاف منها فقد أشرك بالله لقوله – تعالى -: ( فإياي فارهبون ) ( النحل : 51 ) .
وهذا قيد بين الخوف في العبادة والخوف الفطري فالأول لا يصح إلا لله – عز و جل – والثاني كالخوف من الحيوان المفترس وغيره من المخلوقات لا حرج فيه.
وتوحيد الألوهية أي من قال ( لا إله إلا الله محمد رسول الله ) – صلى الله عليه وسلم – فأفرد الله بالعبادة على ما شرعه رسوله – صلى الله عليه وسلم – فهو متضمن لتوحيد الربوبية، بمعنى أن العبادة لا تصدر من عاقل لمعدوم فإذن من عبد الله فإنه لم يعبده إلا إقراراً بوجوده وقدرته.
وهكذا توحيد الأسماء والصفات فإن لله أسماء حسنى وصفات عليا؛ فنصفه بما وصف به نفسه وبما وصفه به رسوله – صلى الله عليه وسلم – من غير تكييف ولا تمثيل كما قال الله – تعالى -: ( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ) ( الشورى : 11 ) وكما قال العلماء: إن شهادة ( أن لا إله إلا الله ) متضمنة لتوحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات .(أنظر كتاب : الأسئلة والأجوبة في العقيدة).
توحيد الأسماء والصفات:
المقصود بتوحيد الأسماء والصفات: هو الاعتقاد الجازم لكمال الله المطلق ونعوت جلاله، وذلك بإثبات ما أثبته الله لنفسه وما أثبته له رسوله – صلى الله عليه وسلم – ، من أسمائه الحسنى وصفاته العليا، وما تدل عليه ألفاظها من المعاني من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، قال الله – سبحانه -: ( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ) ( الشورى : 11 ) . فيدعى ويتوسل إليه بها قال – تعالى – : ( ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها ) ( الأعراف : 180 ) . وقال : ( قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أياً ما تدعوا فله الأسماء الحسنى ) ( الإسراء : 110 ) .
ومعنى توحيد الأسماء والصفات: أن الله – سبحانه وتعالى – متصف بصفات الكمال ومنزه عن جميع صفات النقص، وأنه متفرد عن جميع الكائنات، وذلك بإثبات ما أثبته لنفسه أو ما أثبته له رسول الله – صلى الله عليه وسلم – من الأسماء والصفات الواردة في الكتاب والسنة وإمرارها كما جاءت.
والواضح من هذا الذي ذكرنا أن توحيد الأسماء والصفات يقوم على ثلاثة أسس:
1- تنزيه الله – جل وعلا – عن مشابهة الخلق وعن أي نقص.
2- الإيمان بالأسماء والصفات الثابتة في الكتاب والسنة دون تجاوزها بالنقص منها أو الزيادة عليها أو تحريفها أو تعطيلها.
3- قطع الطمع عن إدراك كيفية هذه الصفات.
فأما الأساس الأول: فهو تنزيه الله – عز و جل – عن أن يشبه شيء من صفاته شيئاً من صفات الخلق، وهذا الأصل يدل عليه قوله – تعالى -: ( ليس كمثله شيء ) ( الشورى : 11 ) وقوله: ( ولم يكن له كفؤاً أحد ) ( الإخلاص : 4 ).
– يقول الإمام القرطبي – رحمه الله تعالى – عند تفسير قوله – تعالى -: ( ليس كمثله شيء ): والذي يعتقد في هذا الباب بأن الله جل اسمه، في عظمته، وكبريائه، وملكوته، وحسنى أسمائه، وعَلِّى صفاته، لا يشبه شيئاً من مخلوقاته ولا يشبه به، وما أطلقه الشرع على الخالق والمخلوق، فلا تشابه بينهما في المعنى الحقيقي، إذ صفات القديم – جل وعز – بخلاف صفات المخلوق.
وقال الواسطي ـ عليه رحمة الله – ليس كذاته ذات، ولا كاسمه اسم، ولا كفعله فعل، ولا كصفته صفة، إلا من جهة موافقة اللفظ.
وجلت الذات القديمة أن يكون لها صفة حديثة، وكما استحال أن يكون للذات المحدثة صفة قديمة؛ وهذا كله مذهب أهل الحق والسنة والجماعة. ( القرطبي جـ 16/9 ) .
– ويقول سيد قطب عليه – رحمه الله تعالى – في تفسير هذه الآية التي ذكرنا: والفطرة تؤمن بهذا بداهة، فخالق الأشياء لا تماثله هذه الأشياء التي هي من خلقه. ( الظلال جـ 7/272 ) .
وأما الأساس الثاني: فيقتضى وجوب الاقتصار فيما يثبت لله – تعالى – من الأسماء والصفات على ما ورد منها في القرآن الكريم أو في السنة الثابتة، فهي تتلقى عن طريق السمع، لا بالآراء، فلا يوصف الله إلا بما وصف به نفسه، أو وصفه به رسوله – صلى الله عليه وسلم – ولا يسمى إلا بما سمي به نفسه أو سماه به رسوله – صلى الله عليه وسلم -؛ لأن الله – عز و جل – أعلم بنفسه وصفاته وأسمائه ، قال – تعالى -: ( قل أأنتم أعلم أم الله ) ( البقرة : 140).
قال نعيم بن حماد شيخ البخاري – رحمهما الله -: من شبه الله بخلقه كفر، ومن جحد ما وصف الله به نفسه أو وصفه به رسوله كفر، وليس فيما وصف الله به نفسه أو وصفه به رسوله تشبيه ولا تمثيل. ( الروضة الندية : 22 ).
وأما الأساس الثالث: فيقتضى من العبد المكلف أن يؤمن بتلك الصفات والأسماء المنصوص عليها في الكتاب والسنة من غير سؤال عن كيفيتها، ولا بحث عن كنهها وذلك لأن معرفة كيفية الصفة متوقفة على معرفة كيفية الذات، لأن الصفات تختلف باختلاف موصوفاتها، وذات الله – عز و جل – لا يسأل عن كنهها وكيفيتها، فكذلك صفاته – سبحانه وتعالى – لا يصح السؤال عن كيفيتها.
ولذلك أثر عن كثير من السلف أنهم قالوا عندما سئلوا عن كيفية استواء الله – عز وجل -: (الاستواء معلوم والكيف مجهول، والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة ) فاتفق السلف على أن الكيف غير معلوم لنا ، وأن السؤال عنه بدعة. ( انظر كتاب الإيمان : 11 ) .