65- الرغبة الجنسية عند المراهقين
65- الرغبة الجنسية عند المراهقين
مع دخول أطفالنا سن المراهقة تبدأ هواجسنا بشأن رغبتهم الجنسية التي تكون على أوجها في هذه المرحلة، لتبدأ بعدها سلسلة طويلة من التساؤلات التي يطرحها الأهل يومياً على أنفسهم بشأن كيفية العناية بأطفالهم في هذه المرحلة الحرجة على جميع الأصعدة وتوجيههم إلى الطريق الصحيح الذي يضمن دخولهم بأمان إلى عالم الراشدين، فلا يخفى على أحد أهمية هذه المرحلة ليس من الناحية الجنسية فقط؛
بل من كل نواحي بناء الشخصية الأخرى. ولعلَّ أكثر ما يصعب الأمور الحرج الكبير الذي يصيب الأهل والأولاد عند الحديث بشأن الأمور الجنسية؛ وهذا يجعل الموضوع في كثير من الأُسر سرياً وعلى سجيته؛ وهذا ما يعرض الأولاد لكثير من المخاطر دون علم الأهل.
وانطلاقاً من حساسية الموضوع وأهميته الكبيرة كان مقالنا اليوم لإلقاء الضوء على الرغبة الجنسية عند المراهقين وكيفية تجاوز هذه المرحلة بأقل الخسائر النفسية والشخصية والاجتماعية.
الرغبة الجنسية عند المراهقين:
قبل الحديث عن الرغبة الجنسية عند المراهقين دعونا نتعرف إلى النمو الجسدي والبيولوجي الذي تشهده هذه المرحلة التي تجعل جسد المراهق مختلفاً تماماً عن جسده الطفولي الذي كان عليه؛ إذ ترتبط التغيرات الجسدية التي تشهدها فترة المراهقة بنشاط الغدة النخامية؛ فيقوم الجزء الأمامي منها بإفراز هرمون ينشط نمو الأنسجة والغدد ذات الإفراز الداخلي (الغدد الصم) كالغدة الدرقية، ونشاط هذه الغدد هو المسؤول عن التغيرات الشكلية الواضحة في جسد المراهق كنمو الأعضاء الجنسية وظهور العلامات الجنسية الثانوية.
وقد كان لهذه التغيرات البيولوجية وخاصةً المتعلق منها بالناحية الجنسية نصيباً كبيراً من اهتمام الباحثين والمختصين النفسيين، حتى إنَّ بعضاً من الباحثين ذهبوا أبعد من ذلك ونظروا إلى المراهق على أنَّه في المقام الأول كائن جنسي. وعلى الرغم من ذلك وعلى الرغم من سطوة الجانب الجنسي الذي يكون أكثر قوةً في هذه المرحلة، والذي قد يسبب حالة من عدم الاستقرار يعيشها المراهق،
خاصةً في ظل غياب الوسائل المتاحة والمقبولة اجتماعياً ودينياً لإشباع هذه الرغبة، إلا أنَّ أزمة المراهقة لا يمكن حصرها بالرغبة الجنسية فقط؛ بل إنَّها تشمل كل جوانب الشخصية، فكثير من العوامل والظروف والتغيرات الأخرى لها أيضاً دور في توجيه سلوكيات وتصرفات المراهقين.
حتى إنَّ الرغبة الجنسية ذاتها على الرغم من طبيعتها البيولوجية فهي ذات طبيعة اجتماعية أيضاً، وستختلف تبعياتها وتأثيراتها تبعاً للمجتمع والمكان الجغرافي الذي يشغله المراهق من العالم.
وعلى الرغم من أنَّ الرغبة الجنسية تشغل بال معظم الأهالي إلا أنَّها وكما أشرنا آنفاً قد تلقى تجاهلاً وإهمالاً واضحاً من قِبل بعضهم، وهذا حقيقةً ما يكون سبباً في مضاعفة المشكلات الناتجة عنها.
وهنا لا بد أن يخطر في بالنا التساؤل التالي، كيف يفكر المراهق بشأن الجنس؟ وما هي الأمور التي تثيره في هذا العالم الذي بدأ للتو باكتشافه، والذي كان غائباً إلى حد ما في مرحلة الطفولة، على صعيد الرغبة على الأقل؟ شغل هذا التساؤل أيضاً بال العلماء في كل أنحاء العالم، وقد خلصت دراساتهم وأبحاثهم التي شملت مراهقين بظروف اجتماعية وثقافية واقتصادية مختلفة إلى أنَّ ما يشغل بال المراهقين يمكن تلخيصه بالنقاط الثلاث الآتية:
1. التفكير بالجنس:
يسيطر التفكير الجنسي عموماً على المراهق؛ وهذا ما يظهر من خلال بدء اهتمام كل جنس بالجنس الآخر، وسيطرة الأحاديث والتلميحات الجنسية على مناقشات المراهقين، متأثرين طبعاً بالنظرة الجنسية السائدة في مجتمعهم، وبالفضول الكبير الذي تولِّده المشاعر الجديدة التي بدأت تطغى على أجسادهم ولم تكن موجودة سابقاً.
2. أحلام اليقظة:
التي تتمحور في كثير من الأحيان حول الموضوعات والمسائل الجنسية التي تثير فضول المراهق إثارةً كبيرةً لاكتشافها والتعرف إليها، وتخيُّل نفسه منخرطاً بها.
3. كما أنَّ الخوف أحد الأمور التي تشغل بال المراهق:
فهو يخشى من رغبته هذه وتعارضها مع المبادئ الدينية والأخلاقية التي تربَّى منذ نعومة أظفاره عليها؛ وهذا ما يجعله يعيش حالة من الغربة مع نفسه، وحقيقةً إذا لم يتم التعامل مع الأمر بالشكل الصحيح، فقد يذهب الأمر ببعض المراهقين إلى كره أنفسهم وجلد ذواتهم طوال الوقت بسبب عدم قدرتهم على كبت رغبتهم، ثم عدم قدرتهم بعدها على التسامح مع أفعالهم.
سلوك المراهقين الجنسي:
كما أصبح واضحاً فإنَّ الرغبة الجنسية في مرحلة المراهقة رغبة جامحة وقوية؛ وهذا ما يؤثر تأثيراً كبيراً في التصرفات والسلوكيات الجنسية التي يقوم بها المراهقون والتي يمكن تلخيصها بالنقاط الآتية:
1. ممارسة العادة السرية:
ممارسة العادة السرية أحد السلوكيات التي يقوم بها المراهقون والتي تُعَدُّ طبيعية إلى حد ما؛ لأنَّها طريقة المراهق في اكتشاف جسده ورغباته وهي طريقة آمنة وبديلة لممارسة الجنس، لكن قد تتحول هذه العادة الطبيعية إلى إدمان؛ وهذا ما يجعل منها مشكلة يتحتم حلها.
2. البحث عن المحتوى الجنسي:
يميل المراهقون ميلاً كبيراً إلى البحث عن الموضوعات الجنسية سواء على شبكة الإنترنت أم من خلال المجلات الإباحية التي يحاولون الحصول عليها.
3. محاولة التعرف إلى جسد الآخر:
التي قد تدفع المراهق إلى اختلاس النظر إلى الجنس الآخر في أثناء تبديل الملابس أو الاستحمام أو مشاهدة المقاطع الجنسية وغيرها من المسلوكات التي قد يكون المحرك الرئيس لها الفضول أكثر من الرغبة.
4. تبدأ أيضاً في هذه المرحلة مظاهر العناية والاهتمام بالشكل والأناقة والرائحة:
بهدف لفت نظر الجنس الآخر؛ إذ إنَّ أكثر مخاوف المراهقين تتعلق بعدم قدرتهم على جذب الجنس الآخر.
والجدير بالذكر أنَّ هذه السلوكيات لا يمكن تعميمها على جميع المراهقين، فهي سلوكيات تختلف باختلاف طبيعة المراهق نفسه وظروف نشأته وحتى جنسه؛ إذ يميل الذكور للتعبير عن رغباتهم الجنسية بشكل أكبر من الإناث اللواتي تتضاعف الضغوط الاجتماعية عليهن في هذه الفترة وتزداد الرقابة من قِبل الأهل، إضافة إلى أنَّ حديث المراهقات عن مشاعرهن الجنسية في مجتمعاتنا يُعَدُّ عيباً، في حين يتم عَدُّه طبيعياً عند المراهقين.
ففي كثير من العائلات نرى كيفية إطلاقهم النكات إشارةً إلى نضوج أولادهم الذكور الجنسي، في حين يُعَدُّ الحديث من المحرمات إذا ما خصَّ الإناث.
الحاجة إلى التربية الجنسية:
قبل الحديث عن التربية الجنسية علينا أن ندرك جيداً أنَّ العناية الحقيقة بأولادنا في أيَّة مرحلة كانت، تبدأ من الفهم الحقيقي لطبيعة المرحلة التي يمرون بها من حيث اتجاهاتهم وسلوكياتهم والإمكانات التي تتوفر لديهم؛ وهذا ما يجعل سبل استثمار هذه الإمكانات وتوجيهها بشكل سليم والاستفادة منها أسهل وأكثر فاعلية، وهذا ينطبق حرفياً على مرحلة المراهقة ولا يتوقف هذا الفهم على الآباء والأمهات والمربين والموجهين؛
بل يجب أن يتعداه ليشمل المراهق نفسه؛ لأنَّ الفهم السليم من قِبل المراهق للمرحلة التي يمر بها وطبيعتها سيسهل تجاوزها، حتى من الممكن أن تكون باباً لمشاركة المراهق ذاته في تربية نفسه ضمن ما يسمى التربية الذاتية.
فلا يجب أن يكون الحديث عن الجنس أو الرغبة الجنسية من الأمور المحرجة داخل المنزل، وكلما كان التعامل مع هذا الجانب بشكل أكثر انفتاحاً كانت الأمور أسهل وأكثر تلقائية، وخاصةً أنَّنا نعيش اليوم في زمن الإنترنت الذي سهَّل كثيراً على المراهق إشباع فضوله وتساؤلاته،
لكن هل سيتمكن هناك من الحصول على الإجابات الصحيحة أو أنَّه سيتورط في أزمة تكيف ثقافي مع مجتمعه إضافةً إلى أزمته بصفته مراهقاً، فمن منا لم يضبط لو لمرة واحدة على الأقل واحداً من أبنائه يتصفح أحد المواقع الجنسية سراً؟ وهذا طبعاً لا يجب أن يصيب الأهل بصدمة، وعليهم تجنُّب توبيخ المراهق تجنُّباً تاماً، فهو حقيقة يبحث عن إجابات لم يجد لها جواباً، وبحثه هذا دليل على وجود فجوة بينكم وبين أبنائكم يجب العمل على ردمها مباشرةً.
السرية والتكتم من قِبل الأهل على هذا الجانب الطبيعي في حياة أبنائهم قد يكون سبباً في تفاقم المشكلة وخروجها عن الحدود الطبيعية، وعلينا أن نضع في بالنا جيداً أنَّ تجنب الحديث عن التربية الجنسية يشبه تجنب الحديث عن تربية أي جانب من جوانب الشخصية الأخرى للمراهق. وبدايةً من الهام جداً شرح الرغبة الجنسية للمراهقين أولاً وأخيراً على أنَّها حاجة مثلها مثل الطعام والشراب والنوم والعمل،
وكما أنَّ قضاء هذه الحاجات تحكمه مجموعة من الضوابط والمعايير فكذلك الرغبة الجنسية لها قواعدها وضوابطها الخاصة والمختلفة من مجتمع إلى آخر، وهنا يجب التركيز جداً على هذه النقطة عند الحديث عن الرغبة الجنسية مع أبنائنا المراهقين فما هو مرفوض في مجتمعنا قد يكون مقبولاً في مجتمع آخر، وطالما نحن نعيش ضمن مجتمع معين علينا التقيد بمعاييره وضوابطه، فالانبهار الذي قد تجده من قِبل المراهقين بالحريات السائدة في المجتمعات الغربية سيكون سبباً بتفاقم المشكلة.
لكن هنا نجد أنفسنا أمام تساؤل هام، ففي حين أكدت الكثير من الدراسات التربوية والنفسية أنَّ عدم الإشباع الجنسي للمراهقين هو أحد أهم أسباب الإصابة بالاضطرابات العصبية وعدم توافق الشخصية، فما هو السبيل إذاً إلى تحقيق هذا الإشباع في ظل غياب بدائل مناسبة عن طريقة الإشباع الطبيعية التي تحدث من خلال العلاقة الجنسية. الحقيقة لا وجود لحلول جذرية ولا إجابات واضحة تحل هذه المشكلة،
لكن هناك العديد من التوصيات التي تساعد على تهذيب طريقة تفريغ هذه الطاقة من خلال ممارسة الرياضة التي تؤدي دوراً كبيراً في تخليص المراهق من حالة التوتر التي تصاحبه بسبب الرغبة الجنسية المكبوتة لديه، كما يمكنه الاشتراك بالعديد من النشاطات والمسابقات والعمل على تطوير مواهبه وتنميتها بشكل يقضي على وقت الفراغ لديه ويشغله عن الانغماس بالأفكار الجنسية.
وفي السياق ذاته يمكننا تقديم العديد من النصائح المفيدة والمساعدة لكل من الأسرة والمدرسة للخطو بشكل جدي نحو تربية جنسية حقيقية:
1. الابتعاد عن تسجيل أبنائنا في المدارس غير المختلطة وخاصة في مراحل التعليم الأولى:
فمن الهام جداً أن يتعرف كل جنس إلى الجنس الآخر ويبني معه علاقات خارجة تماماً عن الإطار الجنسي؛ لأنَّ هذا سيكون مفيد لاحقاً في المراحل الأكبر سناً.
2. لا يجب إهمال التربية الجنسية من قِبل الأهل والمدرسين:
بل يجب محاولة الإضاءة على هذه الجوانب من عمر مبكر وبشكل يتناسب طبعاً مع المرحلة العمرية، فلا يمكن مثلاً إجابة طفل بعمر السادسة بنفس الطريقة التي يتم فيها إجابة مراهق.
3. من المناسب جداً استغلال مادة علم الأحياء بوقت مبكر:
لتعريف الطفل بجسده وطبيعة أعضائه ووظائف كل عضو، فمن أسهل الطرائق لتجنُّب الإحراج المصاحب للحديث عن الرغبة الجنسية هو الحديث عنها بشكل علمي وموثَّق، فبدلاً من التهرب من أسئلة أولادكم المراهقين عن العلاقة الجنسية، يمكنكم استخدام صور توضيحية أو مجسمات وشرح العلاقة بشكل علمي دون الخوض بالتفاصيل، لكن يجب التركيز على كون المعلومة كافية والبقاء مع المراهق حتى يتوقف هو عن طرح الأسئلة، خوفاً من الفضول الذي قد ينتابه إن قمتم بإيقاف الحديث أنتم.
4. الحفاظ على مساحة الأمان بينكم وبين أطفالكم:
حتى لا يتمكن الخوف منهم ويمنعهم من اللجوء إليكم في حال ارتكبوا خطأ ما، وعليكم دائماً أن تكونوا الحضن الدافئ لأبنائكم قبل كل شيء، فأنتم فقط مصدر المعلومات الآمن والصادق والموثوق.
في الختام:
الثقافة السائدة في المجتمعات اليوم وللأسف الشديد ثقافة جنسية بحتة، بدءاً من المسلسلات والأفلام والأغاني السائدة بين صفوف المراهقين، وانتهاءً بالموضة والملابس؛ وهذا ما يجعل الأهل في موقف حرج فليس من السهل مقاومة المراهق لكل تلك المغريات المنتشرة وبكثرة، فالحل إذاً وكما رأينا من خلال المقال السابق ليس في إقصاء أبنائنا المراهقين عن العالم؛ بل على العكس الحل في أن ندخلهم بأيدينا إلى هذا العالم، لكن ندخلهم مسلحين بالأخلاق والقيم والمبادئ التي لا تخص جانباً واحداً من جوانب الحياة؛ بل عليها أن تكون شاملة، والأهم من كل ذلك أن نكون دائماً القدوة الحسنة والمثال الذي يحتذى به.