8-تعريف تفسير القران

314

8-تعريف تفسير القران

تعريف تفسير القرآن

يعدّ علم التفسير من أهم العلوم التي توصل الإنسان لفهم القرآن الكريم، والتفسير في اللغة يعني بيان الكتب وتفصيلها، وتفسير الشيء يعني بيانه وإيضاحه؛ فيحمل معنى الكشف والإيضاح، وتفسير القرآن في الاصطلاح الشرعي يعني تبيين معانيه وألفاظه؛ فهو علمٌ يُرشِد إلى فَهم كلام الله -عزّ وجلّ- المنزّل على محمّدٍ -صلّى الله عليه وسلّم- فيُبيّن معانيه، ويُعين على استخراج أحكامه وحِكَمه؛ فهو علمٌ أُصّل له من علم اللغة والنحو والتصريف، وعلم البيان وأصول الفقه، والقراءات القرآنية، وممّا يساعد على ذلك معرفة أسباب النزول، والناسخ والمنسوخ.

الفرق بين التفسير والتأويل

يختلف معنى التفسير عن معنى التأويل؛ فالتأويل هو استخراج معنى النص على غير ظاهره؛ بحيث يكون على وجهٍ يحتمل المجاز أو الحقيقة، أمّا التفسير فهو تبيان معنى  بلفظٍ يدلّ عليه دلالةً ظاهرةً لا تحتمل المجاز،  وفيما يأتي تفصيلٌ لبعض الاختلافات بين التفسير والتأويل:

  • التفسير يوضّح معاني القرآن الكريم ويبينها بدليلٍ جازمٍ قطعيٍّ يبيّنه المُفسِّر، لذلك يجزم بتفسيره للآيات القرآنيّة، بينما التأويل يعتمد على الاحتمال وغلبة الظنّ والترجيح؛ فلا يستطيع المؤوّل أن يجزم ويقطع في تأويله للآيات القرآنية لعدم وجود دليل عليها.
  • التفسير محلّه الذهن، حيث يتمّ إيضاح المعنى بالكلام، بعبارةٍ تدلّ عليه باللسان، فيعقله الإنسان، أمّا التأويل فهو لا يختلف عن ظاهر الأمور التي تكون في الخارج حقيقةً؛ ففي قول الله -تعالى-: (بَل كَذَّبوا بِما لَم يُحيطوا بِعِلمِهِ وَلَمّا يَأتِهِم تَأويلُهُ)، يُقصد بالتأويل وقوع المُخبر به، كما في قوله -سبحانه وتعالى-: (وَتَرَى الشَّمسَ إِذا طَلَعَت)؛ فلا يختلف معنى الآية عن المعنى الحقيقي لظاهرها؛ فالتأويل في مفردة “طلعت” هو طلوع الشمس.
  • التفسير تبيانٌ يدعمه صحيح السنّة النبويّة؛ فيكون معناه واضح وجليّ، حيث يعتمد بشكلٍ أساسيّ على الروايات؛ لذلك يُطلق عليه اسم التفسير بالرواية، أمّا التأويل فيقوم على ما يستنبطه العلماء من فهمهم للآيات القرآنيّة، وهو ما يُعرف بالدراية أو الاجتهاد.
  • التفسير يقتصر على بيان المعاني والألفاظ، أمّا التأويل فيشمل ما يكثُر استخدامه في المعاني والجمل.
  • التفسير توضيح لمفردات القرآن الكريم الظاهرة بناءً على اللّغة، أمّا التأويل فهو تبيانٌ لباطن المفردات القرآنيّة ففي قول الله -تعالى-: (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ)، تُفسّر مفردة المرصاد من الرّصد؛ فيُقال: رصدته إذا رقبته، والمرصاد: مفعالٌ منه، أمّا تأويلها فهو التحذير من التهاون بأمر الله -عزّ وجلّ-، والتنبيه من الغفلة عن لقاء الله -عزّ وجلّ- يوم القيامة.
  • التفسير توضيح المعاني القرآنية التي لا تحتمل إلّا معنى واحد فقط، أمّا التأويل فهو ترجيحٌ لمعنى مفردةٍ من المفردات القرآنيّة التي تحمل عدّة معانٍ، بالاعتماد على دليلٍ في ذلك.

أنواع تفسير القرآن

نال علم تفسير القرآن الكريم أهميّةً بالغةً بين العلماء؛ فاجتهدوا في تقسيم علم التفسير إلى عدّة أقسام؛ كالتفسير بالمأثور، والتفسير بالرأي، والتفسير بالإشارة، وفيما يأتي توضيح ذلك بالتفصيل:

  • التفسير بالمأثور (التفسير بالرواية): يقصد به بيان مراد الله -تعالى- من الآيات القرآنية من خلال آيةٍ أخرى، أو بما أُثر عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، أو عن صحابة رسول الله -رضي الله عنهم أجمعين-، ومن أشهر كتب التفسير بالمأثور تفسير الطبري، وتفسير السيوطي: الدر المنثور في التفسير بالمأثور، ويُقسم التفسير بالمأثور إلى عدّة أقسام، فيما يأتي ذكرها
    • تفسير القرآن بالقرآن: يُقصد به أن تأتي آيةً قرآنية تُفسّر معنى آيةً أخرى، كما في قول الله -عزّ وجلّ-: (فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)، حيث جاءت آيةٌ أخرى توضّح مراد الله -تعالى- منها؛ كقوله -تعالى-: (قالا رَبَّنا ظَلَمنا أَنفُسَنا وَإِن لَم تَغفِر لَنا وَتَرحَمنا لَنَكونَنَّ مِنَ الخاسِرينَ).
    • تفسير القرآن بالسنّة: يكون ذلك بأن تُفسَّر آية قرآنية بحديثٍ نبويٍّ شريف؛ كتفسير رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- لمعنى الظلم بالشرك، فقد ذكر عبدالله بن مسعود -رضي الله عنه- ذلك فقال: (قالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هذِه الآيَةُ: {الَّذِينَ آمَنُوا ولَمْ يَلْبِسُوا} [الأنعام: 82] إيمانَهُمْ بظُلْمٍ شَقَّ ذلكَ علَى أصْحابِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وقالوا: أيُّنا لَمْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ؟ فقالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ليسَ كما تَظُنُّونَ، إنَّما هو كما قالَ لُقْمانُ لِابْنِهِ: {يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ باللَّهِ إنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ})،
    • تفسير القرآن بما أُثر عن الصحابة: يتوافق تفسير الصحابة -رضي الله عنهم- أحياناً مع أسباب نزول القرآن الكريم فيأخذ بكلامهم، ولا مجال للرأي فيه؛ فيأخذ حكم المرفوع، أمّا إن كان للرأي فيه مجال فهو في حكم الموقوف ما دام لم يسند إلى رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-.
  • التفسير بالرأي (التفسير بالدراية): يعني ذلك التفسير الذي يعتمد على اجتهاد المُفسّر، بحيث يكون عارفاً بكلام العرب وألفاظهم ودلالاتها، عالماً بالناسخ والمنسوخ، وأسباب النزول، وكلّ ما يتعلق بعلوم القرآن وأدواته، ويُقسّم التفسير بالرواية إلى قسمين: التفسير المحمود، والتفسير المذموم.
  • التفسير الإشاري (تفسيرٌ بالإشارة): يعني ذلك تفسير آيات القرآن الكريم بإشارةٍ خفيّةٍ تظهر لمن خصّهم الله -تعالى- بفهمٍ خاصٍّ؛ فيُفسّر النصّ على غير ظاهره، وقد ضبط ابن القيم -رحمه الله تعالى- هذا النوع من التفاسير بعددٍ من الضوابط؛ كأن لا يُناقض التفسير معنى الآية القرآنية، وأن يكون المعنى صحيحاً في نفسه، وغيرها من الضوابط.
تعريف تفسير القران

مكانة تفسير القرآن

أنزل الله تعالى القرآن الكريم ليكون كتاب هدايةً للعالمين؛ فيجمع الناس على الحقّ، ويُقلّل من الاختلافات بينهم، ولا يمكن ذلك إلاّ بفهم مقاصد القرآن الكريم ومعرفتها، وهنا تكمُن أهميّة التفسير ومكانته؛ ففهم سياق الآيات له أثرٌ كبيرٌ في فهم معنى النص القرآنيّ، وأعظم تفسيرٍ وبيان لآيات القرآن الكريم هو تفسير القرآن الكريم نفسه؛ فقد تكفّل الله -عزّ وجلّ- ببيان بعض آيات القرآن الكريم وتوضيحها، قال الله -تعالى-: (ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ)،  ولذلك كان لعلم التفسير مكانة عظيمة بين العلوم الأخرى.

معلومات عن القرآن المكي والمدني

المكي والمدني

بذل علماء المسلمين جهوداً عظيمة في خدمة القرآن الكريم، فأنشؤوا العديد من العلوم منها: علم أسباب النزول، وعلم التفسير والناسخ والمنسوخ، والمحكم والمتشابه، والمطلق والمقيَّد، والمكي والمدني، وغير ذلك من عشرات العناوين، وكل عنوان من هذه العناوين يعدُّ علماً قائماً بذاته، وفي هذا المقال حديث عن المكي والمدني، والفرق بينهما، وسمات وخصائص كل منهما.

تعريف المكي والمدني

  • المكي: (ما نزل من القرآن الكريم قبل الهجرة، سواء كان في مكة أم ضواحيها).
  • المدني: (ما نزل من القرآن الكريم بعد الهجرة النبويّة، سواء كان مكان نزوله المدينة، أم مكة بعد فتحها، أم أيّ مكان في الجزيرة ذهب إليه النبي صلى الله عليه وسلّم).

وكما نلاحظ فإنَّ هذا الضابط في التعريف هو باعتبار زمن النزول، وهناك ضوابط أخرى كمكان النزول، والفئة المخاطبة، ويبقى هذا الضابط هو أرجحها وأفضلها؛ لأنّه ضابط مطّرد وحاصر لأجزاء التعريف، والاعتماد عليه يقضي على كل أسباب الخلاف، وهو الأقرب إلى فهم الصحابة رضي الله عنهم.

فوائد معرفة المكي والمدني

وهناك فوائد عظيمة تترتب على معرفة المكي والمدني، منها: معرفة ناسخ القرآن الكريم من منسوخه، والاستعانة به في تفسير القرآن الكريم، وكذلك الوقوف على تاريخ التشريع الإسلامي وتدرّجه، بما يحقق معرفة عظمة الإسلام في التربية والبناء، وكذلك تتبع سيرة الرسول محمد صلى عليه وسلم والوقوف على أحداثها، بالإضافة إلى معرفة أسباب النزول، وكلّ ذلك يزيد من إيماننا بالقرآن الكريم، ووصوله إلينا من غير تحريف، أو تبديل.

خصائص وضوابط القرآن المدني

من ضوابط القرآن المدني:

  • القرآن المدني فيه ذكر للجهاد وبيان لأحكامه.
  • فيه تفاصيل لأحكام الحدود، وبيان الفرائض والحقوق والقوانين المدنية المنظّمة لحياة النّاس وعلاقاتهم.
  • فيه حديث عن المنافقين، فالمنافق هو من يظهر الإيمان ويبطن الكفر، وقيام الدولة المسلمة في المدينة وقوُّتها مدعاة لمثل هذه الظاهره عند قسم من النّاس.
  • كل آية يبدأ الخطاب فيها بـ ( يا أيها الذين آمنوا) مدنية، فخطابها موجه للمؤمنين ويتعلق بتفاصيل الحقوق والواجبات المنوطة بهم.

ومن خصائصه: طول آياته، وسهولة ألفاظها، وهدوء الأسلوب فيها، والحديث عن التشريعات التفصيلية والأحكام العمليَّة في العبادات، والأحوال الشخصيّة، والمعاملات، وكذلك بيان قواعد التشريعات المتعلّقة بالجهاد وأحكامه، وفضح المنافقين وكشف مؤامراتهم.

ضوابط القرآن المكي وخصائصه

وهناك أيضاً عدة ضوابط تمثل نسقاً عاماً للقرآن المكي منها:

  • كل سورة فيها سجدة تعدّ مكيَّة.
  • كل سورة فيها أداة الزجر( كلا) تعتبر مكيّة.
  • الخطاب فيها يكون لكل النّاس بلفظ ( يا أيها النّاس).

ومن خصائص أسلوبه: الدعوة إلى عقيدة التوحيد، وإثبات صدق الرسالة، ووضع الأسس العامّة للتشريع وبيان فضائل الأخلاق، وبيان الأخلاق والعادات السيئة، وكذلك الاعتماد على الأسلوب القصصي، ويتميّز كذلك بقصر آياته مع قوة الأسلوب.

عدد آيات القرآن الكريم

عدد آيات القرآن الكريم

عدد آيات القرآن الكريم

عدد آيات القرآن الكريم ستة آلافٍ ومئتان (6200) آيةً بإجماع العلماء، واختلف القرّاء بين الأمصار في الزيادة البسيطة عليها؛ فمنهم من قال هي ستة آلاف ومئتان وأربعة (6204)، وقيل هي ستة آلاف ومئتان وأربعة عشر (6214)، أو ستة آلاف ومئتان وخمسة وعشرون (6225)، أوستة آلاف ومئتان وستة وثلاثون (6236)، ومنهم من لم يزد عليها،

وهذا الاختلاف صوريّ، وسببه أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- كان إذا قرأ القرآن أمام أصحابه -رضي الله عنهم- يقف على رؤوس الآيات ليعلموا أنها رأس آية، ثم يعيد فَيَصِلُ الآية بالتي بعدها، فيحسَبُ من لم يسمعه عندما يقف في المرة الأولى أنها آية واحدة، فتصبح عنده الآيتين آية، ولا أثر لهذا الاختلاف ما دام القرآن الكريم سالماً من الزيادة أو النقصان. وتُقسّم أعداد الآيات حسب الموضوعات على النحو الآتي تقريباً:

  • ألفان ومئتان وعشرون (2220) آية في شرائع الإيمان والتوحيد وصفات الله.
  • ألف وستمئة (1600) آية في قصص الأنبياء.
  • ألف (1000) آية في ترتيب الولايات.
  • سبعمئة وثلاثون (730) آية في أحكام فقهية مختلفة؛ كأحكام المعاملات، وأحكام النكاح والطلاق، وأحكام الجهاد.
  • أربعمئة (400) آية في الرّقية وتعويذ الآفات.
  • مئتان وخمسون (250) آية في قضايا متفرّقة.

معلومات عن آيات القرآن الكريم

تعرّف الآية اصطلاحاً بأنها طائفةٌ ذات مطلعٍ ومقطعٍ مندرجة في سورةٍ من القرآن، وهي في اللغة على عدّة معاني ورد بعضها في القرآن نحو ما يأتي:

  • المعجزة: كقوله -تعالى-: (سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُم مِّنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ).
  • العلامة: كقوله -تعالى-: (وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ).
  • العبرة: كقوله -تعالى-: (إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ).
  • البرهان والدليل: كقوله -تعالى-: (وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ). فيظهر لنا سموّ معناها اللغوي في معناها الاصطلاحي، فالآية القرآنية معجزة، وهي علامةٌ تدلّ على صدق من جاء بها، وفيها العبرة والعظة، وهي دليلٌ وبرهانٌ على أنّ هذا القرآن منزلٌ من عند الله -سبحانه-، ويجتمع فيها البلاغة والإعجاز.


ويتفاوت طول الآيات القرآنية بين آياتٍ قصيرة وأخرى طويلة، وأطول آية في القرآن هي آية الدَّين من سورة البقرة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ..)، وتنتهي بقوله -تعالى-: (وَاللَّـهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)، وطولها بمقدار صفحة كاملة، كما تتفاضل الآيات في عِظمها وفضلها، وممَّا لا شكَّ فيه أنَّ القرآن الكريم كتابٌ عظيم، وكلُّ آياته عظيمةٌ من عَظمته، إلا أنَّ أعظم آيةٍ كما أخبر النَّبيّ -صلى الله عليه وسلم- هي آية الكرسي من سورة البقرة:

 (اللَّـهُ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ …)، إلى قوله -سبحانه-: (وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ)، بدليل ما جاء في صحيح مسلم، قال -صلى الله عليه وسلم-: (يا أبا المُنْذِرِ أتَدْرِي أيُّ آيَةٍ مِن كِتابِ اللهِ معكَ أعْظَمُ؟ قالَ: قُلتُ: {اللَّهُ لا إلَهَ إلَّا هو الحَيُّ القَيُّومُ} قالَ: فَضَرَبَ في صَدْرِي، وقالَ: واللَّهِ لِيَهْنِكَ العِلْمُ أبا المُنْذِرِ)،  فهي آيةٌ جامعة للتوحيد بسائر معانيه، إذ يتحقّق فيها مقام المعرفة والعبودية لله -عز وجل


كما أن الآيات القرآنية لم تُنَزّل كلها دفعةً واحدة، فالقرآن نزل متفرّقاً من وقت البعثة وإلى وقت وفاة الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وأوّل آيةٍ نزلت هي مطلع سورة العلق: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ* خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ* اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ* الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ* عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ).

كيفية معرفة الآيات

معرفة بداية الآيات ونهايتها

إنّ للعلماء في طريق معرفة بداية الآية ونهايتها قولان:

  • القول الأول: إن معرفة الآيات القرآنية توقيفيّة؛ لا سبيل لمعرفتها إلا من الشّارع سوآءا كانت هذه المعرفة عن طريق الوحي أو إرشاد الرسول -صلى الله عليه وسلم-، فما من قاعدةٍ ثابتةٍ لمعرفة الآية القرآنية سِوا بأخذها كما هي، وهذا لأن الآيات تتفاوت، ففي مطلع سورة الرحمن الآية الأولى: (الرَّحْمَـنُ)؛ كلمة واحدة فقط، وتعدّ آيةً مستقلةً، وكذلك: (مُدْهَامَّتَانِ)؛ في نفس السورة آية مستقلة.

والحروف المقطعة تفاوتت كذلك، فآية: (طسم)؛  آية واحدة في سورتي القصص والشعراء، بينما قوله -تعالى-: (الر)؛ ليست بآية واحدة دائماً في سورها الخمسة، ويدلّ على هذا أيضاً ما أشار إليه الرسول -صلى الله عليه وسلم- لعمر بن الخطاب -رضي الله عنه- لمّا كَثُرَ سؤاله عن الكلالة، فقال -عليه الصلاة والسلام-: (تَكْفِيكَ آيَةُ الصَّيْفِ الَّتي في آخِرِ سُورَةِ النِّسَاءِ)  وهي آية رقم مئة وستة وسبعون، وتتضمّن أحكام الكلالة؛ أي الميراث، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- يقرّر لنا موضع آية الصيف، وما كنّا لنعرف ذلك لولاه.

  • القول الثاني: على تفصيل فيجعلونه على ضَربين؛ الأول: سماعيّ توقيفيّ كما في القول الأول، والثاني: قياسيٌّ يدخله الاجتهاد، ويتم التفريق بينهما بالرجوع إلى فاصلة الآية؛ أي آخر كلمة في الآية القرآنية،[١] فما علمنا أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- كان يقف عليه دائماً تحقّقنا أنه رأس آية، وما علمنا أنه وصله دائماً تحقّقنا أنه ليس بآية، وما وقف عليه مرّة ووصله مرّة أخرى احتمل الأمرين، وهنا يكون مجال القياس بتعيين محلّ الوصل أو الفصل.

معرفة ترتيب آيات القرآن

إنّ ترتيب الآيات في السور توقيفيٌّ ثابتٌ من الوحي، وأوامر النبي -صلى الله عليه وسلم-، ومما عُلِم من تلاوته -صلى الله عليه وسلم- للقرآن على مسمع الصحابة -رضي الله عنهم-، كما دلّت عليه النصوص، وانعقد عليه الإجماع، وفيما يأتي ذكر الأدلة على ذلك

  • كان جبريل -عليه السلام- ينزل بالقرآن على الرسول -صلى الله عليه وسلم- ويخبره بمواضع الآيات من السّور، فيقرؤها الرسول -صلى الله عليه وسلم- على أصحابه -رضي الله عنهم-، ويأمر كتّاب الوحي بكتابتها مرتّبةً كما نزلت عليه.
  • كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يرتّب آيات القرآن الكريم أثناء تلاوتهِ في الصلاة، كما هو الأمر في مواعظه، فيحفظها الصحابة -رضي الله عنهم- مرتّبة من بعده، وكانوا يعرضونها على الرسول -صلى الله عليه وسلم- مما كتبوه، حتى انتشر الترتيب وشاع في الأمصار، وتناقلته الأمّةُ حتى وصل إلينا في يومنا هذا.
  • أخرج أبو داود والترمذي من حديث عثمان بن عفان -رضي الله عنه- أنه قال: (كانَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ مِمَّا يأتي علَيهِ الزَّمانُ وَهوَ تنزلُ علَيهِ السُّوَرُ ذواتُ العددِ، فَكانَ إذا نزلَ علَيهِ الشَّيءُ دعا بعضَ مَن كانَ يَكْتبُ، فيقولُ: ضعوا هذِهِ الآيةَ الَّتي يُذكَرُ فيها كذا وَكَذا)، كما أخرج البخاري عن عبد الله بن الزبير-رضي الله عنه- قال: (قلت لعثمان بن عفان: (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا)، نسختها الآية الأخرى فَلِمَ تكتبها أو تدعها -والمعنى لماذا تكتبها؟- أو قال: لماذا تتركها مكتوبة مع أنها منسوخة؟ قال: يا ابن أخي لا أغيّر شيئا منه من مكانه)،  فقوله: (لا أغيّر شيئا من مكانه)؛ يدلّ على إدراك الصحابة وحرصهم على عدم تغيير شيءٍ من مكانه، وإبقاء كل آية في موضعها الذي نزلت به وأرشد إليه الرسول -صلى الله عليه وسلم-
  • نقل الإجماع جملةٌ من العلماء، كان منهم الزركشي في كتابه البرهان، وأبو جعفر بن الزبير في مناسباته وعبارته، حيث قال: “ترتيب الآيات في سورها واقعٌ بتوقيفه -صلى الله عليه وسلم- وأمره، من غير خلاف في هذا بين المسلمين”.

ما الفرق بين المكي والمدني من حيث التعريف

الفرق بين المكي والمدني

إنّ للقرآن أهميّة عظيمة في حياة البشر، فسعوا إلى التدبّر بآياته، والتفقّه بأحكامه قدر المستطاع، من أجل الوصول إلى حلّ مشكلاتهم الحياتيّة التي تعترض طريقهم، كيف لا؟ وكتاب الله العظيم هو آخر الكتب السماويّة نزولاً على البشر، فتضمّن القرآن كلّ أحكام وجوانب الحياة؛ ليكون الدليل الذي يُهتدى به في هذه الحياة.


عند تفحّص العلماء وتدبّرهم بالقرآن الكريم، اختلفوا في تصنيف القرآن الكريم إلى مكّي ومدني، فكان هناك العديد من النواحي التي يُنظر لها عند التصنيف، اعتماداً على: زمن نزول الآية أو السورة الجاري الحديث عنها، أو مكان نزولها، أو المخاطَب الذي تخاطبه السورة أو الآية، وسنتناول في هذه المقالة أهمّ الفروق بين القرآن المكّي والمدني من حيث التعريف.

تعريفات المكّي والمدني

التصنيف بناءً على الزمان

يقصد بالمكّي، كلّ ما نزل من القرآن قبل هجرة الرسول الكريم محمد عليه الصلاة والسلام سواء أنزل بمكة أم بغير مكّة، في حين أنّ المدنيّ يعرّف على أنّه نزول القرآن بعد الهجرة وإن كان النزول في مكّة، أي تمّ اتّخاذ الهجرة كأساس لتصنيف القرآن بغض النظر عن مكان النزول.

التصنيف بناءً على مكان النزول

هذا التصنيف يتّخذ من مكان النزول أساساً للتصنيف، فما نزل في مكّة فهو مكيّ، وأنّ ما نزل في المدينة فهو مدنيّ، بغض النظر عمّا إذا نزل قبل الهجرة أو بعدها، ولكن من مآخذ هذا التصنيف هو عدم حصره لجميع الأماكن التي نزل فيها القرآن، فالآية الكريمة “وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ”، فهذه الآية نزلت ليلة الإسراء والمعراج ببيت المقدس.

التصنيف بناءً على المخاطَب

هذا التصنيف يتّخذ من المخاطَب في الآية أساس التصنيف، بمعنى الآيات أو السور الموجّهة لأهل مكة تعدّ مكّية، والتي تخاطبعم عادة بـ “يَا أَيُّهَا النَّاسُ”، أمّا الخطاب الموجّه لأهل المدينة فهو مدني، والخطاب فيه عادة يبتدئ بـ “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا”، ولكنّ المآخذ على هذا التصنيف هو عدم حصره، حيث يوجد آيات لا توافق الحالتين السابقتين،

كقوله تعالى: “إإِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ”، ومن المآخذ الأخرى على هذا النوع من التصنيف؛ أنّ بعض السور المدنيّة فيها “يَا أَيُّهَا النَّاسُ” مثل سورة البقرة التي فيها آية “يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ” ، وسور أخرى مكّية فيها “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا” مثل سورة الحجّ والتي فيها آية “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ”. يرجّح التعريف الأوّل على أنّه هو الأدقّ من بين التعريفات الثلاثة السابقة، كونه يتّفق عليه أغلب العلماء في تعريف المكّي والمدني.

معلومات عن القرآن الكريم وعلومه

معلومات عن القرآن الكريم وعلومه

تعريفٌ بالقرآن الكريم

القرآن الكريم؛ هو: آخر الكتب السماويّة التي أيّد الله -سُبحانه- بها رُسله -عليهم الصلاة والسلام-، ممّا يعني أنّه المُهيمن عليها، وأكثرها شمولاً؛ إذ إنّه يشمل جميع ما اشتملت عليه الكتب السماويّة السابقة له، بل وزيادةً عليها، ويتميّز القرآن الكريم بفصاحته، وبلاغته، وإعجازه، سواءً كان الإعجاز في اللفظ، أو المعنى، أو الحُكم، أو الأحكام، كما أنّه أخبر عن الأحداث والوقائع، السابقة واللاحقة، ولذلك فإنّ القرآن الكريم صالحٌ لكلّ زمانٍ، ومكانٍ، ولكلّ الاقوام، وقد تكفّل الله -سُبحانه- بحفْظه من التحريف، أو الزّيادة، أو النّقصان، قال -تعالى-: (إِنّا نَحنُ نَزَّلنَا الذِّكرَ وَإِنّا لَهُ لَحافِظونَ)،  ويُراد بالذّكر في الآية السابقة؛ القرآن الكريم، والسنّة النبويّة.

معلوماتٌ عن القرآن الكريم وعلومه

معلوماتٌ عن القرآن الكريم

يُعرفه مصطلح القرآن الكريم بأنّه: اسمٌ لكلام الله -تعالى-، الذي أنزله على نبيّه محمّدٍ -صلّى الله عليه وسلّم-، المُتعبد بتلاوته، المُعجز بكلّ حرفٍ فيه، أيّ أنّ مصطلح القرآن الكريم خاصٌّ بكتاب الله، فلا يُطلق على غيره من الكُتب، وتُطلق عليه عدّة أسماءٍ أخرى؛ منها: الفُرقان، والذِّكْر، والكتاب، والتنزيل، ويُطلق عليه غالباً: الكتاب، والقرآن.

ويختصّ القرآن الكريم بعدّة مزايا؛ منها: تضمّنه لِما اشتملت عليه سائر الكتب السماويّة، وأمره بعبادة الله وحده، وعدم الإشراك به، والإيمان بالجزاء والبعث، وإرسال الرُّسل -عليهم الصلاة والسلام-، والتخلّق بأحسن وأكرم الأخلاق، فتعاليم القرآن الكريم تعدّ آخر ما أنزله الله -تعالى- للبشريّة، أيّ أنّها الباقية على مدى الزمان، كما أنّ القرآن الكريم لا يُمكن أن يتعارض مع أيٍّ حقيقةٍ علميّةٍ، كما أنّ الله -تعالى- سهّل على عباده حِفْظ كتابه، والعمل به، وفَهْمه.


ويتفرّع القرآن الكريم إلى ثلاثين جزءاً، ومئة وأربع عشرة سورةً، وستة آلافٍ ومئتَين وستةٍ ثلاثين آيةً، وقد أنزل الله القرآن على محمّدٍ -صلّى الله عليه وسلّم- مفرّقاً منجّماً؛ أي ليس جملةً واحدةً، كغيره من الكُتب السماويّة، فقد كان ينزل القرآن حسب الوقائع والحوادث منذ بداية البعثة إلى حين وفاة النبي -صلّى الله عليه وسلّم-.

معلومات عن علوم القرآن

نشأت علوم القرآن منذ زمن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، والصحابة -رضي الله عنهم-، أمّا تدوين علم القرآن؛ فيختلف بحسب اختلاف النوع، وكان أوّل كتابٍ دوّن علوم القرآن: كتاب البرهان في علوم القرآن، للإمام الزركشيّ،  وعلوم القرآن؛ هو: علمٌ يختصّ بمباحث تتعلّق بالقرآن الكريم؛ من حيث نزوله، وجَمْعه، وقراءاته، وأسباب نزوله، وما فيه من ناسخٍ ومنسوخٍ، وسُورٍ مكيّةٍ ومدنيةٍ، وقيل إنّه علم أصول التفسير؛ لأنّه يشمل العلوم التي يحتاج إليها المفسّر،

ويتوجّب عليه معرفتها، والعلم بها، ويتعلّق علم القرآن الكريم بكلّ جوانبه، وتكمُن فائدته بنَيْل الثقافة العامة للقرآن الكريم، والاطّلاع على المعارف المتعلّقة به؛ لتسهيل الدفاع عنه، واللجوء إليه عند التفسير ،ومن موضوعات علوم القرآن؛ علوم اللغة، وما يتعلّق بها من مباحث وقضايا، بالإضافة إلى البلاغة، وأساليب البيان، والمباحث المتعلقة بالأصول والفروع، وقضايا الفقه، والإعجاز، وبديعه، والتصوير الفنيّ، والقَصص القرآنيّ، وأمثال، وأقسام، و أحكام القرآن، وغيرها الكثير.


ويُقصد بسبب النزول بأنّه الحدث الذي نزلت الآيات القرآنيّة في زمنه، كما عرّفه بذلك الإمام السيوطيّ، وعرّفه الزرقانيّ بأنّه: ما نزلت الآية أو الآيات متحدّثةً عنه، أو مبيّنةً حُكمه أيّام وقوعه، وعرّفه منّاع القطّان بأنّه: ما نزل من القرآن بشأنه، حال وقوعه؛ كحادثةٍ ما، أو إجابةٍ عن سؤالٍ ما، ويُشتهر المكيّ والمدنيّ من القرآن؛ بأنّ المكيّ يُطلق على ما نزل قبل الهجرة إلى المدينة المنوّرة، وإن كان نزوله في المدينة، أمّا المدنيّ؛ فهو: ما نزل بعد الهجرة إلى المدينة، وإن كان نزوله في مكّة المكرمة،

وذلك بالنظر إلى الزّمان لا المكان،  أمّا علم الناسخ والمنسوخ من القرآن؛ فيُراد به: رَفْع حكم الشرعيّ المُتقدّم بحُكمٍ متأخّرٍ عنه أمّا إعجاز القرآن؛ فهو: إظهار صدق النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- في رسالته، بإظهار العجز عن الإتيان بشيءٍ مثل القرآن الكريم، على مرّ الزمان، سواءً في اللفظ، أو الأسلوب، أو التشريعات، أو الغيبيات، وغيرها.

ما هي خصائص القرآن الكريم

خصائص القرآن الكريم

خصائص القرآن الكريم المُتعلِّقة بالإيمان به

يؤمن المسلم بأنّ القرآن الكريم مُنزَّل من عند الله -سبحانه وتعالى-، وهو شرط من شروط الإيمان، والذي يتطلّب أن يعتقد المسلم أنّ:

  • القرآن الكريم جاء لدعوة الإنس والجنّ عامّة إلى توحيد الله -تعالى-، وأنّ شريعته شاملة للجميع، ولا يسعهم إلّا أن يتّبعوا ما أُنزِل فيه؛ قال -تعالى-: (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا)
  • القرآن الكريم ناسخ لِما سبقه من الكتب السماويّة، وأنّ على الجميع أن يتّبعوا ما أُنزِل فيه، ولا يعبدوا الله بغيره، ولا يطلبوا الهداية من غيره؛ فالحقّ ما ورد فيه من حلال، وحرام، وغيره؛ قال -تعالى-: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ).
  • القرآن الكريم تضمّن الشريعة السَّمحة اليسيرة، والتي أسقط الله بها كثيراً من الأغلال والآصار؛ قال -تعالى-: (وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ).
  • القرآن الكريم دستور الله -تعالى-، وشريعته التي أنزل فيها كلّ ما يحتاج إليه الناس في أمور دينهم، ودُنياهم، وآخرتهم؛ قال الله -تعالى-: (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ).
  • القرآن مُيسَّر من عند الله -تعالى- لِمَن أراد أن يتّخذه تذكرةً، ولِمَن أراد أن يتدبَّرَه؛ قال -تعالى-: (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ)؛ فقد يَسَّر الله لقارئ القرآن لَفظ القرآن، ومعانيه، وتلاوته، والاعتبار بما فيه من مواعظ.
  • القرآن يشترك مع غيره من الكُتب التي أُنزِلت على الرُّسل بأصول، وشرائع، وتعاليم واحدة؛ قال -تعالى-: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ).
  • القرآن سابقٌ لغيره؛ بتناوُله قصص وأخبار الأمم السابقة بشكل تفصيليّ؛ قال -تعالى-: (وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ)  وهو خاتم الكُتب السماويّة، كما أنّه شاهدٌ عليها.
  • القرآن مُعجِزٌ لغيره؛ فلا تستطيع الجن، ولا الإنس أن يأتوا بمِثله؛ إذ أنزل الله -تعالى- في القرآن عدداً من الآيات الكريمة التي تتحدّى الناس أن يأتوا بمِثل القرآن، أو أن يأتوا حتى ببعضٍ منه؛ فقال: (أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَل لَّا يُؤْمِنُونَ*فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ إِن كَانُوا صَادِقِينَ)، ولمّا عجزوا عن ذلك، قال -تعالى-: (أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ)، فعجزوا عن ذلك أيضاً، فخفَّف عنهم، وتحدّاهم بسورة واحدة، حتى ولو كانت من قِصار السُّوَر؛ قال -تعالى-: (أَم يَقولونَ افتَراهُ قُل فَأتوا بِسورَةٍ مِثلِهِ وَادعوا مَنِ استَطَعتُم مِن دونِ اللَّـهِ إِن كُنتُم صادِقينَ)؛  إلّا أنّهم عجزوا عن ذلك أيضاً؛ وهذا دليلٌ على أنّ القرآن مُعجِزٌ بطِوال السُّوَر، وقِصارها على حَدٍّ سواء، ومع وضوح هذه المعجزة وقدرة الأذهان على إدراكها وقراءتها، يتبيّن أنّ الإعجاز من أهم خصائص هذا الكتاب.

خصائص القرآن الكريم المُتعلِّقة بفَضله ومكانته

تُعَدّ تلاوة القرآن الكريم، والمداومة على النَّظَر فيه، والتّمعّن في آياته، سبباً من أسباب فَهمه، والعمل بما جاء فيه، ولا يخفى أنّ تلاوة القرآن والمداومة عليها سُنّةٌ من سُنَن الإسلام، وامتثالٌ لأمر الله -تعالى- حيث يقول: (فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ)؛ فتلاوته عبادة عظيمة، وسبب في ارتقاء العبد في مراتب الدُّنيا والآخرة، وقُربة جليلةٌ يترتّب عليها أجر عظيم، حيث ينال مَن اجتهد في ترتيل سور القرآن وآياته، وجوّد بها صوته، ينالُ مكانةً عليّة ودرجة رفيعة،

ففي الحديث الصحيح عن السيّدة عائشة -رضي الله عنه- أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم قال: (الْماهِرُ بالقُرْآنِ مع السَّفَرَةِ الكِرامِ البَرَرَةِ، والذي يَقْرَأُ القُرْآنَ ويَتَتَعْتَعُ فِيهِ، وهو عليه شاقٌّ، له أجْرانِ)، وقد وعد الله -تعالى- في كتابه قُرّاءَ كتابه العزيز بأنْ يُوفّيهم أجورَهم في الآخرة؛ فقال -سبحانه-: (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ، لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ

خصائص القرآن الكريم المُتعلِّقة بحِفظه

اعتنى الصحابة الكرام -رضوان الله عليهم- عناية شديدة بحِفظ القرآن الكريم، وتدوينه؛ فحرصوا على تدوينه في المصاحف، وتجريده عن أيّ شيء ليس منه، وقد نُقِل من جيلٍ إلى جيلٍ بالتواتُر مكتوباً في المصاحف، والقرآن عند أهل السنّة مُتواترٌ قَطعاً وليس آحاداً؛ فهو مُتواتر في أصله، وفي أجزائه، وفي وضعه، وترتيبه، وقد حرص الصحابة على كتابة المُتواتر، وحِفظه؛ لأنّ القرآن مُتضمِّنٌ التحدّي، وهو موطن الأحكام، والشرائع، ومقتضى التعبُّد؛ ولهذا تقتضي أهمّيته أن يكون التواتُر قطعيّاً.


وتجدر الإشارة إلى أنّ الوسيلة الأساسيّة في تلقّي القرآن الكريم كانت ولا زالت تلقّيه بالمُشافَهة، وهي واحدة من أهمّ سِمات وخصائص القرآن التي تميّز بها عن الكُتب السماويّة السابقة، وغيرها من الكُتُب، وتعلُّم المسلم القرآن بالمُشافهة، وحِفظه بالتلقّي يعني أنّ له سنداً بالقرآن يتّصل بالنبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، ومنه إلى جبريل، عن الله -سبحانه وتعالى-، ونظراً لأنّ القرآن منقول عبر القرون السابقة حتى العصر الحاضر بالتواتُر القاطع، وأنّه مُعجِزٌ بلفظه، ومعناه معاً،

فقد اتّفق العلماء على أنّ روايته بالمعنى دون التقيُّد بلَفظه غير جائز، واتّفقوا على حرمة تعمُّد تبديل أيّ حَرف، أو كلمة، أو جملة، أو آية من القرآن، ولا يجوز تبديل لفظ في القرآن بآخر حتى ولو كان عربيّاً يُؤدّي المعنى نفسه، وقد ذهب ابن حزم إلى أنّ قراءة القرآن داخل الصلاة أو خارجها بلغة غير العربية أو بلفظ مُخالف لِما أنزله الله -تعالى- غير جائز، ويكون فاعلها فاسقاً بذلك الفِعل


كما يَسَّر الله -تعالى- برحمته وقدرته على المسلمين حِفظ القرآن الكريم في الصدور، إلى جانب يُسر تلاوته، وعلى مرّ العصور وتعاقب الأزمان سخّر الله -تعالى- للقرآن من يحفظونه غيباً، عن ظهر قلب واعٍ، وأكرم الله -عز وجل- الكثيرين من المسلمين بالتّمكن من حفظه، حتى من غير العرب، وبعضهم يحفظه بإتقان دون فهمٍ لمعانيه؛ قال -تعالى- في ذلك: (سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنسَى*إِلَّا مَا شَاءَ اللَّـهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى*وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى).

خصائص القرآن الكريم المُتعلِّقة بأسلوبه

تميّز القرآن الكريم بخصائص مُتعلِّقة بأسلوبه البيانيّ واللغويّ، ومن هذه الخصائص ما يأتي

  • القَصد في اللفظ والوفاء بحقّ المعنى؛ وهي خاصّية انفرد بها القرآن عن غيره من الكُتُب كافّة؛ فهو يُعبّر عن أكبر قَدْر من المعاني في أقلّ عدد من الألفاظ.
  • الخطاب العامّ والخاصّ؛ إذ راعى القرآن اختلاف أفهام الناس وعقولهم؛ فهو يحتوي على الخطاب الذي يفهمه الناس جميعهم، والخطاب الذي لا يفهمه إلّا أهل العلم والاختصاص وذوي العقول.
  • الاقناع العقليّ والإمتاع العاطفيّ؛ إذ يُوفي القرآن بحاجة هذَين العنصرَين في نفس الإنسان، دون أن يكون هناك نقص في أيّ منهما.
  • البيان والإجمال؛ فيُفصّل القرآن القصص والأحداث في بعض مواطنه، ويُوجز في مواطن أخرى، وكلّ ذلك بحكمةٍ وعلمٍ من الله -تعالى-.

فضل القرآن الكريم

أنزل الله -سبحانه وتعالى- القرآن الكريم؛ رحمةً للعالَمين؛ يخرجهم به من ظلمات الجهل والضلال إلى نور الهداية والحقّ، واصطفى -سبحانه- محمداً -صلّى الله عليه وسلّم-؛ ليوحي هذا القرآن إليه؛ فأصبحت أمّته بهدي القرآن خيرَ أمّة أخرجت للنّاس، ونالت من التّكريم ما لم تَنَله غيرها من الأمم، وللقرآن الكريم خصائص فريدة، ومزايا كثيرة تتعلّق بمكانته وفضله وأسلوبه وإعجازه، وغير ذلك