1-قصة سيدنا سليمان

0 561

1-قصة سيدنا سليمان

1-قصة سيدنا سليمان أنعم الله -عزّ وجلّ- على سُليمان -عليه السّلام- بالذّكاء، والفطنة، وسرعة البديهة، وقد أيّده الله -تعالى- بالحكم الصّحيح، والقضاء بين النّاس، فلمّا نفشت غنم الرّاعي في الحرث حكم في الأمر، كما حكم فيه أبوه داود، وكان حكم سليمان -عليه السلام- هو الحكم الصّحيح، قال -تعالى-: (وَداوودَ وَسُلَيمانَ إِذ يَحكُمانِ فِي الحَرثِ إِذ نَفَشَت فيهِ غَنَمُ القَومِ وَكُنّا لِحُكمِهِم شاهِدينَ*فَفَهَّمناها سُلَيمانَ وَكُلًّا آتَينا حُكمًا وَعِلمًا وَسَخَّرنا مَعَ داوودَ الجِبالَ يُسَبِّحنَ وَالطَّيرَ وَكُنّا فاعِلينَ).[

والقصة أنّ هناك

رجلان أتيا إلى داود -عليه السّلام- ،أحدهما صاحب حرث، والآخر صاحب غنم، فقال صاحب الحرث: “إنّ هذا له أغنام قد فلتت في أرضي فأفسدت ما فيها”، فحكم له داود -عليه السلام- بغنم صاحبه، وخرجا من عند داود -عليه السلام- وتوجّها إلى سليمان -عليه السلام-، وكان له من العمر حينئذٍ إحدى عشر سنة، وبعد أن علم بالقصّة قال: “لو كان الحكم لي لحكمت بغير ذلك”، وكان حكم سليمان أن يأخذ صاحب الأرض الأغنام فينتفع بها ويبذر بها أرضه حتى تعود مثلما كانت، ثم يُعيد الأغنام إلى صاحبها، فقضى داود بقضاء سليمان كونه لا يضرّ بأحد من أطراف الخلاف.

قصة تولية سليمان الملك

تولّى سليمان -عليه السّلام- الحكم على بني إسرائيل بعد وفاة داود -عليه السّلام-، وكان له من العمر حين تولّى الحكم ثلاثة عشر عاماً، وآتاه الله الملك والنبوّة معاً، وقد دعا الله -تعالى- أن يُؤتيه ملكاً لا يؤتيه لأحدٍ من بعده، فاستجاب الله -تعالى- له دعاءه وسخّر له الإنس، والجنّ، والطّير، والشّياطين، والرّيح، فكان إذا خرج من بيته متوجهاً إلى مجلسه أقبل إليه الطّير، وقام الإنس والجنّ ليُجلسوه.


وقد ورث سليمان من داود -عليهما السّلام- العلم والملك؛ قال -تعالى-: (وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ)، وكانت هذه الورثة لسليمان دوناً عن باقي إخوته، والذين قال فيهم قتادة والكلبي أنّ أبناء داود تسعة عشر ولداً، وتخصيص سليمان بالورثة دلّ على أنّها ليست ورثة المال، ثمّ إنّ الله أنعم عليه بزيادة على ما ورثه من والده.

قصة سيدنا سليمان مع الهدهد وبلقيس

أنعم الله -تعالى- على سليمان -عليه السّلام- بأن جعله يفهم لُغة الطّير، وقد كانت الطّيور من المخلوقات التي سخّرها الله -تعالى- له، وكان يستخدمها في عمليات البحث والتّحري عن الماء، والإتيان بأخبار الأمم والشعوب، ومن هذه الطّيور الهدهد الذي تفقّده بيوم من الأيام فلم يجده، ولم يطلب الهدهد الإذن بالغياب، ممّا دفع سليمان -عليه السّلام- أن يتوعده بالعذاب أو القتل إن لم يكن له عذر بغيابه.


وغاب الهدهد فترة من الزّمن ولمّا جاء سأله سليمان عن سبب غيابه، فأخبره أنّه رأى أهل سبأ وملكتهم بلقيس ذات الحكم والملك العظيم يسجدون للشّمس ويعبدونها، وأنّهم رأوا أنّ ذلك الفعل صحيح، فلمّا سمع سليمان بذلك أراد أن يتيقّن من الخبر وليعود عن إرادته في عذاب الهدهد، فكتب كتابا وأعطاه للهدهد وأمره أن يُلقيه عليهم ويُراقب ما يفعلون به.

قصة سيدنا يحيى عليه السلام


فتحرّى الهدهد نافذة من قصر بلقيس كانت قد فتحتها لتدخل منها الشّمس لتعبدها، وألقى فيها الكتاب، فلمّا رأته الملكة جمعت القوم واستشارتهم في الأمر ،فقالوا لها أنّهم قوم ذو قوّة وبأس شديد، وفوضوا الأمر لها، فكان اقتراحها أن تُرسل لسليمان هدية لتليّن الأمر فلا تقوم الحرب، فلمّا وصلت الهدية سليمان هدّدها بإرسال جيوشه لها، فقرّرت أن تُذعن لأمره وتذهب إليه


وعندما علم سليمان -عليه السّلام- بأمرها جمع حاشيته وطلب منهم أن يحضروا عرشها إليه، فأخبره عفريت من الجن أنّه قادر على أن يأتي به قبل أن يقوم من مقامه، واقترح عالم من علماء قومه أنّ يأتي به قبل أن يرتدّ إليه طرفه، فشكر سليمان ربه وأحضر العرش، وأمر الحاشية أن يُغيّروا فيه قليلاً، فلمّا جاءت ورأته قالت: (كَأَنَّهُ هُوَ)،كما اندهشت من قصة سيدنا سليمان الذي ظنّت أن أرضه نهراً، فلمّا أرادت أن تدخله كشفت عن ساقيها، ولمّا رأت هذه المعجزات أعلنت خضوعها لله وحده، وقالت: (رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)

قصة سيدنا سليمان مع النملة

قال -تعالى-: (حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ)،فقد رأت النملة جيش سليمان ، فصاحت تنبّه النّمل ليدخلوا البيوت، فسمع سليمان ما تقوله النّملة، فتبسّم ضاحكاً، حيث ذكرت النّملة أنّ سليمان وجنوده لا يمكن لهم أن يتعمدوا الإيذاء حين قالت أنّهم لن يشعروا بدهسنا، وشكر الله على ما أنعم به عليه وعلى والديه، قال -تعالى-: (فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ).

قصة وفاة سيدنا سليمان

قضى الله تعالى أن يموت سيدنا سليمان ، وكان حينها متّكئاً على مِنسأته -عصاه-، قال -تعالى-: (فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ)، والمعنى أنّه مات وبقي واقفاً يتّكئ على العصا، حتى أكلت دودة الأرضة العصا فسقط على الأرض، وحينها علم النّاس بموته.


وكان ذلك بعد سنة من وقوفه، وفي موته بهذه الطّريقة إظهار لكذب الجنّ الذين كانوا يدّعون علمهم للغيب، فلم تعلم الجنّ بموت سليمان -عليه السّلام- إلّا بعد أن سقط على الأرض، وقد كان الجنّ في هذه الفترة ينشغلون ببناء بيت المقدس.

معجزات سليمان عليه السلام

امتازت معجزات سليمان -عليه السّلام- بدوامها ومرافقتها له طيلة حياته،  وقد شكر الله -تعالى- بما أنعم عليه من هذه المعجزات، ومن هذه المعجزات:

  • تسخير الرّيح، قال -تعالى-: (وَلِسُلَيمانَ الرّيحَ عاصِفَةً تَجري بِأَمرِهِ إِلَى الأَرضِ الَّتي بارَكنا فيها وَكُنّا بِكُلِّ شَيءٍ عالِمينَ)، فقد كانت الرّيح تسير بأمره، وتتوجّه حيثما يأمرها، وبأمره تحرّك السّحاب لتمطر بحسب أمر سليمان لها، وبقيت الرّيح تحت أمره طوال حياته.
  • تسخير الجنّ، قال -تعالى-: (وَمِنَ الْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ)،فقد كانت الجنّ تعمل بين يديه بتوجيهه، وتأخذ الأمر منه، فيأمرهم بالقيام بما ينفع مملكتهم، ويدير شؤونهم، فأقاموا المحاريب ودور العبادة، وكان لهم إنجازات عظيمة في فنّ العمارة، وأحواض الماء وهي ما تعرف بالجِفان، وصنعوا الأواني، والصّوامع الثابتة وهي القدور الرّاسيات، ومنهم من أمرهم بالغوص في البحار لاستخراج اللؤلؤ والمرجان، فكان يستفيد ممّا منح الله به الجن من القدرات الخارقة والسرعة العالية، وعلى أيديهم قامت دولتهم.
  • إسالة النّحاس؛ حيث استخدمه في صناعة السّلاح وغيرها من الصّناعات، قال -تعالى-: (وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ)، فكان الحديد يسيل بين يدي الجنّ، فيقومون بتشكيله ثم يجمد على هيأته.
  • فهم كلام ما لا ينطق من الحيوانات، والحشرات، والجمادات، والنّباتات، وقد ورد ذكر فهمه للطّير لأنّ الطّير كان مسخَّراً بين يديه، فكان يفهم كلام الطّيور، وينقل الكلام لقومه ليتّعظوا به.

قصة النبي سليمان مختصرة

لقد ورد ذكر قصّة سيّدنا سليمان عليه السّلام في القرآن الكريم في عدّة سور، ومنها سورة الأنبياء، وص، والنّمل، وسليمان عليه السّلام هو واحد من أعظم الأنبياء الذين تحدّث عنهم القرآن الكريم، وقد كان ملكاً ونبيّاً عظيماً، وابن ملك ونبيّ عظيم، وهو داوود عليه السّلام، قال الله سبحانه وتعالى:” وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ “، النمل/16.


وقال ابن كثير:” ورثه في النبّوة والملك دون المال، لأنّ مال الأنبياء لا يورّث وما تركوه صدقة، وقد خصّه الله تعالى بأشياء قصّها علينا القرآن الكريم، منها أنّ الله تعالى علمه منطق الطير… وملكه على الإنس والجنّ والطير… قال الله تعالى:” وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ “، النمل/17 “.

قال الله سبحانه وتعالى:” فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ* وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ* وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ* هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ* وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ “، ص، وقد عاش سليمان عليه السّلام قرابة الاثنين وخمسين عاماً، وكان ملكه أربعين عاماً، وقد نقله ابن كثير في قصص الأنبياء عن الزّهري وغيره، وقال ابن جرير كان عمره نيفاً وخمسين سنةً.

خفاء موت سليمان على الجن

لقد قصّ الله سبحانه وتعالى خبر وفاة سليمان عليه السّلام في القرآن الكريم، وكيف أنّ موته قد خفي على الجنّ، وذلك حتّى يعلم النّاس أنّ الجنّ غير مطلعين على أمور الغيب، ولم تذكر المدّة التي بقي فيها الجنّ يعملون دون أن يعلموا أنّ الله سبحانه وتعالى قد قبض روح سليمان عليه السّلام.

دروس من قصة سليمان وبلقيس

هناك مجموعة من الفوائد والدّروس التي من الممكن للمسلم أن يستفيدها من قصّة سليمان عليه السّلام مع بلقيس ملكة سبأ، ومنها: (3)

  • حسن التقدير والاحترام والفهم، وذلك لمحتوى الرّسالة التي قام الهدهد بإلقائها على قوم بلقيس، حيث قالت:” قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ * إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ “، النمل/29-31.
  • الشّورى، وذلك لأهل الاختصاص والأمر، وأن لا يكون هناك ديكتاتورية في الحكم، حيث عرضت بلقيس ملكة سبأ قضية كتاب سليمان على الملأ من قومها، والذي التي يترتب عليه ان يتمّ تغيير عقيدتهم، وعبادتهم، وسيادة مملكتهم، حيث قالت:” قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ “، النمل/32، وقد أجابوها بحسن ظنّهم بها، وتقديرهم لفكرها، واعتزازهم بمملكتهم، وثقتهم في قوّتهم الماديّة، حيث قالوا:” قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ “، النمل/33.
  • العلم بتاريخ الملوك، والأمم، والغزاة، حيث قالت:” قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ “، النمل/34.
  • حسن تقيم الموقف السياسي والعسكري: حيث قامت بلقيس بإرسال هديّة إلى سليمان عليه السّلام، لتعرف إن كان ملكاً من ملوك الدّنيا، فإنّه سيفرح بها، ويقبلها، وبالتالي يخفّف ذلك من التّوتر بين المملكتين، وإن كان نبيّاً مرسلاً من عند الله سبحانه وتعالى فإنّه سيرفض الهجية، ولن يرضى إلا بتغيير العقيدة وإعلان الإسلام، إضافةً إلى أنّ الرّسل الذين أرسلتهم سيقدرون على تتبّع أخبار سليمان عليه السّلام، وملكه، وجنده، فوافقها عامّة الشّعب على ذلك، وأرسلوا بالهدايا إلى سليمان عليه السّلام، وأسرفوا فيها لكي تليق وتحظى بالقبول عند سليمان عليه السّلام.

وعندما جاء الرّسل إلى سليمان عليه السّلام قام برفض هديّتهم، وأصيبوا بالدّهشة من ملكه وجنوده من الإنس والطير والحيوانات، وأعلن رفضه بقوله:” فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ * ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ “، النمل/36-37، وعندها قرّرت بلقيس أن تذهب مع كبار قومها إلى سليمان عليه السّلام، وذلك لكي تصل إلى حلّ سلمي ودِّي، بما يستقرّ عليه التفاوض فيما بينهما، سواءً أكان في العقيدة أو الملك.

  • الذّكاء والفطنة، حيث كانت الرّحلة بين سبأ واليمن إلى القدس حيث يقيم سليمان عليه السّلام تستغرق قرابة الثّلاثة أشهر، وأراد سليمان عليه السّلام أن يقوم باختبار ذكاء الملكة بلقيس، وذلك من خلال أن يظهر لها فضل الله عليه، وأن يريها ملكه الذي لا ينبغي لأحد أن يملك مثله، فأراد أن يحضر لها كرسي عرشها من مملكتها إلى مملكته ويجلسها فوقه،
  • فقال لجنوده:” قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ “، النمل/38، فأجابه عفريت من الجنّ:” أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ “، النمل/39، أي أنّه سيقوم بإحضاره في غضون ساعات، ثمّ قال الذي عنده علم من الكتاب لسليمان:” أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ “، النمل/40.

نبي الله سليمان

نبيّ الله سليمان عليه السلام

سليمان بن داوود بن إيشا بن عويد بن عابر، وينتهي نسبه إلى يهوذا بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، ولا بدّ من الإشارة إلى أنّه أحد أنبياء بني إسرائيل، وقد منحه الله النبوّة، ووهبه ملكاً لم يهبه لأحدٍ من بعده، وأعطاه سلطاناً عظيماً، وقد ورد ذكره في القرآن الكريم في عدّة مواضع، وفي هذا المقال سنعرفكم عليه أكثر.

عدد المرات التي ذكر فيها في القرآن الكريم

ورد اسم سليمان عليه السلام في القرآن الكريم في سبع سورٍ، وفي ستّ عشرة آية، وقد كان هذا الذكر ملازماً للنعم المترادفة التي أنعم الله عليه وعلى أبيه داوود عليهما السلام، كما وورد فيها فضل الله العظيم عليه وعلى أبيه من قبله.

وراثة سليمان لداوود في النبوة والملك

أورث الله النبيّ سليمان عليه السلام ملك أبيه ونبوته، وذلك تصديقاً لما ورد في قوله تعالى: (وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ) [سورة النمل: 16]، ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ ميراث الأنبياء لا يكون بالمال، وإنّما بالملك والنبوة؛ أي أن أموال الأنبياء لا تكون ميراثاً لمن بعدهم، وإنما تكون صدقةً من بعدهم.

صفات نبيّ الله سليمان

كان سليمان عليه السلام جسيماً أبيضاً، ولا يلبس إلا الملابس البيضاء، وكان عمره 12 عاماً حينما ورث ملك أبيه داوود عليه السلام، إلّا أنه عرف بفطنته، وذكائه، وحسن سياسته وتدبيره، وعدله في القضاء رغم صغر سنه، ولا بدّ من الإشارة إلى أن أباه داوود عليه السلام كان يستشيره أيام ملكه لما عنده من حكمة وفطنة، فقد كان يوفّق إلى الحكم الأقوم عليه السلام، وقد ورد ذلك في قوله تعالى: (وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ *فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْماً وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ) [سورة الأنبياء: 78-79]،

حيث إن النبيّ سليمان عليه السلام قد أفتى في قصّة الحرث والزرع والغنم التي رعت فيه ليلاً بوجهٍ مختلفٍ عن الوجه الذي أفتى فيه والده داوود عليه السلام، حيث رأى أن تدفع الأغنام التي رعت الزرع إلى أهل الحرث فينتفعون من أولادها، وألبانها، وأشعارها، ويدفع الحرث إلى أهل الغن فيقومون عليه ويصلحونه حتى يعود كما كان، ثم يعود الغنم لأهله، ويعود الحرث لأهله، في حين أن داوود عليه السلام حكم بالغنم إلى صاحب الزرع تعويضاً له عن حرثه الذي أتلفته الغنم ليلاً، ولا بد من الإشارة إلى أن حكم سليمان عليه السلام أضمن للحق، وأقرب للصواب.

سياسة سليمان عليه السلام وبناؤه لبيت المقدس

بنى سليمان عليه السلام بيت المقدس وأقام السور حوله تنفيذاً لوصية أبيه داوود عليه السلام، وذلك بعد توليه الحكم بأربع سنوات، ولا بدّ من الإشارة إلى أنّه بنى الهيكل أي القصر الملكي بعد بنائه بيت المقدس، حيث أتمّ بناءه في ثلاثة عشر عاماً، كما كان يهتم بالإصلاح والعمران اهتماماً عظيماً، كما وكان له أسطولٌ بحري فيه عدد كبير من الخيل التي يعتني بها ويروضها ويعدها من أجل الجهاد في سبيل الله، وكانت له مجموعة كبيرة من السراري والنساء الحرائر، إذ لم يكن هناك تحديد لعدد الزوجات في شريعته.

نعم الله تعالى على سليمان عليه السلام

  • فضّل الله سبحانه وتعالى نبيه سليمان بالنبوة، وبالكتاب.
  • سخّر الله له الجن، والإنس، يخدمونه بما يريده، ولا يخرجون عن طاعته، وإلّا عذبهم عذاباً شديداً، كما وسخر له مردة الشياطين، حيث كانوا يغوصون له في البحار لاستخراج اللآلئ والجواهر، ويقومون بالأعمال التي يصعب على البشر القيام بها، كبناء القصور العالية، والصروح الضخمة، والقدور الثابتة، ويقيد من يشاء منهم بالأغلال لحماية الناس من شرهم.
  • منحه الله سبحانه وتعالى تسبيح الجبال وعلماً بالقضاء.
  • علمه الله لغة الطير ومنطقه، ولغة سائر الحيوانات، إذ كان يفهم منها ما لا يفهمه غيره من البشر، وقد كان يتحدث معها في بعض الأحيان.
  • سخّر الله له الريح، فقد كانت تنقله إلى أي مكان يشاء، وقد كانت تجري بأمره، وتسير به إلى حيث يريد، ثمّ تعود به إلى مكانه في الشام، ولا بدّ من الإشارة إلى أنه كان يملك بساطاً مركباً من الخشب، وقد كان يسع لجميع ما يحتاجه من القصور، والدور المبنية، والخيام، والخيول، والأمتعة، والجمال، والرحال، والأثقال، وغيرها من الطيور والحيوانات، فكان عندما يريد قتال الأعداء، أو السفر إلى أي بلاد يحمل هذه الأشياء جميعها على البساط، ويأمر الريح فتدخل تحته، وترفعه، وتسير به بإذن الله إلى مكان يريده.
  • أسال الله له عين القِطر أي النحاس المذاب، حيث كان يتدفق له مذاباً رقراقاً كتدفق الماء العذب، فكان عليه السلام يصنع منه ما يشاء.

خاتم سيدنا سليمان

جاءت إلى عصرنا الكثير من القصص حول خاتم النبي سليمان ، ولكن منها ما هي أساطير اخترعها الهود وحرفوها في التوراة والإنجيل ، ولكن الدين الإسلامي جاء ليبين القصة الحقيقة لقصة خاتم النبي سليمان ، وسنتحدث عن القصتين التي جاءت إلينا .


القصة التي تناقلها اليهود فيما بينهم ، وهي أن النبي سليمان أعطاه الله عز و جل خاتماً من أجل أن يتمكن من حكم الجن والشياطين ، وكان دوماً يرتدي الخاتم في أصبعه ، وحاول الشيطان سرقة الخاتم لأكثر من مرة ولكنه لم يستطيع ، إلا أن جاء يوم من الأيام خلع النبي سليمان الخاتم من أجل دخول الخلاء ، وأعطاه إلى زوجته لحين خرجوه من الخلاء ، ولكن تمكن الشيطان من خدعها عندما جاءها على شكل النبي سليمان وطلب منها الخاتم فأعطته إياه ، وعندما خرج سيسدنا سليمان من الخلاء طلب الخاتم فقالت لها بأنها أعطته إياه ، فعلم أن الشيطان خدعها .

استطاع الشيطان السيطرة على القصر ةقام بطرد سيدنا سليمان وزوجته من القصر ، ولكن شاءت قدرة الله أن تجعل الشيطان يفقد الخاتم ويسقط منه في البحر .

حينها كان سيدنا سلسمان يعمل صياداً وفي يوم من الأيام ، اصطاد سمكة كبيرة ، وبينما كانت زوجتع تطهوها فتحتها من أجل أن تقوم بتنظيفها فوجدت الخاتم وأعطته إلى سيدنا سليمان ، وارتداه وعاد إلى القصر وطرد الشيطان منه ، وتولى الحكم من جديد بقدرة الله عز و جل .

بالطبع هذه ما كانت سوى أسطورة وخرافة تناقلتها أجيال بني إسرائيل ، وهي غير صحيحة أبداً ، إنما الهدف منها هو تضليل الناس عن الحقيقة ، وإفشاء حالة من الجهل بين الناس ، حيث أن اليهود اخترعوا الكثير من الأساطير عن الأنبياء ، فلم يقف الأمر فقط على سيدنا سليمان بل طالت افتراءاتهم الكثير من الأنبياء .

ولكن الحقيقة التي تناقلتها الكتب السماوية الصحيحة هي أن هذا الخاتم ما هو وى خاتم كان يسخر لسيدنا سليمان الكثير من الأمور التي كان يريدها ، وإن هذا الخاتم حمل الكثير من الأسرار حيث أنه اشتمل على الاسم الأعظم لله عز و جل ، كما أن هذا الاسم كان مكتوب على قلب سيدنا آدم عند خلقه .

كما أن هذا الخاتم يمثل صفة الدعاء إلى الله عز و جل ، حيث أن الانسان يستخدم الاسم الأعظم لله من أجل أن يسخر له الله ما يريد ، كما أنه كرامة أكرم الله بها نبي الله سليمان من أجل أن يكون قادراً على تسخير الأرض والرياح وجميع المخلوقات له من أجل أن يستطيع العيش على الدنيا حاكماً بأمر من الله عز و جل ، كما أن سره بقي أمراً لم يعلمه أحد سوى الله .

الفائدة من قصة سليمان عليه السلام

سليمان عليه السلام

ورد ذكر النبي سليمان عليه السلام في مواطن كثيرة في القرآن الكريم، وقد أورد القرآن من أخباره وأحواله ما يدعو إلى أخذ العبرة والموعظة، وقد جاء قصته بشكل مجمل في بعض السور، وجاء بشكل مفصّل في سورة النمل وهي قصة طويلة فيها الكثير من الفوائد العظيمة التي يجب على المسلم أن يستفيد منها، بتوظيفها في حياته، وجميع أعماله التي يقوم بها، وفي هذا المقال سنعرفكم على الفائدة من قصة سليمان عليه السلام.

الفائدة من قصة سليمان عليه السلام

الفائدة من قصة سليمان عليه السلام مع الهدهد

  • إنكار الهدهد عندما رأى امرأة تقود رجال، فقد جعل الله الفطرة في الإنس والجن في أنّ الرجل هو الذي يقود النساء.
  • حسن التدرّج في الإبلاغ، فقد أبلغ الهدهد سليمان عليه السلام من الأصغر وهو قيادة المرأة للرجال، إلى الأكبر وهو الشرك باللله عزّ وجل.
  • نقل الهدهد الصورة كما هي، ولم يصدر الحكم عليها، بل ترك الحكم لسليمان عليه السلام، كما أنّه لم يبدل ولم يحرف شيئاً من رسالة سليمان إلى قوم بلقيس.
  • كان دعاء سليمان لقومه بالحسنى، فلم يسبهم ولم يقبحهم على الرغم من أنهم سجدوا للشمس، لأن هدفه الأول كان إقامة التوحيد.
  • استعمال الهدهد للقاعدة الفقهية المشهورة وهي: إذا تزاحمت المصالح يقدم الأعلى من المصالح، وقد ظهر ذلك عندما قدم الدعوة إلى الله على الحضور في مجلس سليمان.
  • سمو أخلاق النبي سليمان عليه السلام، وحسن ظنّه وتواضعه في قبول شهادة الهدهد، قال تعالى: (سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ )[النمل:27].
  • تدلّ قصة سليمان مع الهدهد على أنّ الأنبياء لا يعلمون الغيب.
  • يدلّ موقف سليمان على تفقّده لأحوال الرعية، والسعي للمحافظة عليهم، على الرغم من صغر الهدهد فإنّه لم يغب عنه، وسأل عنه.

الفائدة من قصة سليمان عليه السلام مع بلقيس

تعتبر الملكة بلقيس من أشهر ملكات التاريخ، وقد سجل القرآن الكريم رحلتها مع قومها من الكفر إلى الإيمان والهدى على يد النبي سليمان عليه السلام، وقد ورد ذكرها في سورة النمل على لسان الهدهد (إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ*وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ) [النمل: 23، 24]، وقد اورد القرآن الكريم أنّ بلقيس كانت تعبد الشمس، وتحكم بلاداً كبيرة وغاية في الغنى، ولم تكن بلقيس امرأة عادية، بل هي مثل يحتذى به؛ فسعت إلى الهدية بعد أن عاينت الأدلة والبراهين بنفسها، ومن فوائد القصة ما يأتي:

  • كتب سليمان لبلقيس فقال: ( إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) [النمل: 30]، ومع كونه ملكاً إلا أنّه لم يذكر مدحاً له لا قبل اسمه ولا بعده، حيث ذكر اسمه فقط وهذا يدلّ على كمال تواضعه.
  • تعتبر بلقيس مثالاً للمرأة العاقلة، التي لا تتحيّز للباطل، ولا تميل للهوى والمعصية، فلم تجعل العصبية لقبيلتها ودينها تتحكّم فيها، وتحجب عنها نور الحقيقة، فقرأت رسالة سليمان بإمعان، وتدبّر.
  • كانت بلقيس مثالاً للمرأة الصادقة المنصفة، وذلك من خلال وصفها لكتاب سليمان بأنّه كريم.
  • حرصت بلقيس على تقديم الخير للجميع، وذلك من خلال إعلانها على الملأ حقيقة كتاب سليمان، قال تعالى: (إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ) [النمل: 30، 31].
  • أظهرت حقيقة المرأة التي تسعى إلى السلام، وتنفر من الحرب والدمار، قال تعالى: (إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ) [النمل: 34]، لذلك لم يكن لجوؤها إلى الرشوة المتمثلة بالهدية إلى سليمان أمراً مستغرباً.
  • كانت مثالاً للمرأة العفيفة الطاهرة، التي تدرك أنّ الاحترام لا يُكتسب من خلال عرض مفاتن الجسد، والإثارة والإغراء، فلم تلجأ إلى ذلك لتمتحن نبوة سليمان عليه السلام.
  • كانت بلقيس نموذجاً للمرأة التي فهمت حقيقة الإسلام، فقد أدركت أنّه ولاء خالص لله عزّ وجل، ولا علاقة له بالتعلّق بالأشخاص، وقد تبين ذلك عندما لبت بلقيس نداء سليمان عندما قال: (وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ) [النمل:31]، فقالت: (رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [النمل:

المراجع

(1) بتصرّف عن فتوى رقم 36799/ قصة النبي سليمان -عليه السلام-/ 2-9-2003/ مركز الفتوى/ إسلام ويب/ islamweb.net

(2) بتصرّف عن فتوى رقم 74615/ خفاء موت سليمان على الجن/23-5-2006/ مركز الفتوى/ إسلام ويب/ islamweb.net

(3) بتصرّف عن مقال بلقيس والهدهد وسليمان/ 30/03/2004/ مركز الفتوى/ إسلام ويب/ islamweb.net

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

العربيةChichewaEnglishEsperantoFrançaisEspañolTürkçe