4- صالح عليه السّلام
4- صالح عليه السّلام
عد وفاة نبي الله هود، ومرت الأيام رجعت الناس إلى الكفر مرة أخرى بوسوسة من ابليس اللعين الذي لا يترك البشر، وجاء هذه المرة نبي كريم آخر هو صالح عليه السلام.
صالح نبي عربي من أحفاد ثمود هو صالح بن عبيد ابن ايساف ابن ماشح ابن عبيد ابن حاذر ابن ثمود ابن عاد ابن ارم ابن سام ابن نوح.
وثمود من بني عاد، وترك ثمود اليمن وانتقلوا إلى شمال الجزيرة وسكنوا في منطقة اسمها الحجر وهذا اسم كريم لسورة أخرى في القرءان.
يقول الله سبحانه وتعالى: ” وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ (80)” سورة الحجر.
أصحاب الحجر من هم ؟
هم قوم صالح ثمود. سكنوا في مدائن صالح بالحجر وهي منطقة شمال غرب المدينة المنورة. 380 كم شمال غرب المدينة المنورة. ونحتوا لهم المساكن في الجبال، حيث ورثوا هذه الصناعة من عاد.
يقول الله: ” وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ (9) سورة الفجر. جابوا الصخر: يعني قطعوا الصخور.
ويقول الله: وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم مِّن مَّسَاكِنِهِمْ ۖ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ (38) سورة العنكبوت.
قوم ثمود اشتهروا بنحت الجبال لتكون بيوت لهم
مساكنهم مازالت موجودة هؤلاء وهؤلاء والله ذكر كيف ينحتون الجبال بقوة عجيبة.
يقول الله عن قوم ثمود : وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِن بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا ۖ فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (74) الأعراف.
فبعد عاد هم الذين حكموا وورثوا الأرض، ونفس طريقة عاد وكان الله أنعم عليهم كما أنعم على عاد لعلهم يتعظون مما حدث لعاد.
يقول الله على لسان صالح أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ (146) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (147) وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ (148) سورة الشعراء – وهضيم يعني سهل الهضم أن الله أعطاهم نعمًا كثيرة.
وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ (149) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (150) سورة الشعراء
نفس طريقة عاد، كان لديهم سهول فيها البيوت وجبال بها القصور وجنات وعيون وجدد الله لهم التجربة وأعطاهم الفرصة لعلهم يتعظون مما حدث لعاد لكنهم كفروا بالله وما اعتبروا وما تعلموا الدرس وعبدوا الأصنام.
بعثة النبي صالح عليه السلام
بعث الله النبي صالح عليه السلام لقوم ثمود وكان حكيم وكانوا يستعينون به ويحتكمون له ولما طالبهم بعبادة الله الواحد رفضوا وقالوا يا صالح قد كنا فينا مرجوًا قبل هذا، أي كنا نتمنى لك شأن فظل يدعوهم وقال يا قوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره، وهذه دعوة كل الأنبياء.
وقال لهم الله انشأكم من الأرض واستعمركم فيها فاستغفروه ثم توبوا إليه، إن ربي قريبٌ مجيب.
وقال لهم لماذا تستعجلون بالسيئة قبل الحسنة، لولا تستغفرون الله لعلكم ترحمون، فاتقوا الله ولا تطيعوا أمر المسرفين الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون.
أي ذكرهم كما ذكر هود قوم عاد، لكنهم رفضوا وتساءلوا هل جاءه الرسالة من السماء من بيننا، واتهموه بالكذاب، وقالوا له أنت مسحور، وجاءوا للمؤمنين الذين آمنوا معه وسألوهم هل آمنتم بصالح قالوا ” نعم ” قالوا إنا باللذي آمنتم به كافرون، فظل صالح يدعوهم ويدعوهم ووصل بهم الأمر إلى أنهم بدءوا يطرودونه من بينهم.
قوم ثمود يطلبون من النبي صالح معجزة تدل على أنه نبي من الله
وقالوا له أنت شؤوم ابتعد عنا، فرد عليهم وقال لهم أنتم قوم تفتنون، فلما وصل الأمر إلى ذلك أنذرهم وقال : ” يا قوم إن كنت على بينة من ربي وآتاني منه رحمة فمن ينصرني من الله إن عصيتم” أي افترضوا أنه نبي وأنتم تأمرون بالمعصية ولو عصيت الله أخسر وأنتم تخسرون فقالوا له ائت بآية وبدءوا يشترطون،
وقالوا انهم يريدون هذه الصخرة أن تنشق وتخرج منها ناقة، وبدءوا يتفننون وقال واحد من الملأ الكبير لابد أن تكون الناقة حامل بعشرة أشهر ، وقال آخر لابد أن تكون لونها أحمر وقال آخر لابد أن يكون صوفها كثير، ولابد أن تكون ناقة ضخمة بحيث هي تشرب من البئر يوم ونحن نشرب يوم.
الله يحقق المعجزة ويخلق ناقة صالح من الصخرة
فقال لهم صالح عليه السلام: إن جاءتكم هذه الآية تؤمنون قالوا بلى قال فاجمعوا الناس، فدعوا الناس في اليوم الموعود ودعا صالح عليه السلام ربه وتزلزلت الأرض وانشقت الصخرة أمام أعينهم وتخرج من داخل الصخرة ناقة ضخمة من أضخم ما رآوا في حياتهم، بل أضخم ناقة في التاريخ، وكانت ناقة واحدة تشرب ماء يكفي قرية كاملة وحامل في شهرها العاشر على وشك الولادة بالوصف الذي وصفوه.
يقول الله سبحانه وتعالى على لسان صالح :” وَيَا قَوْمِ هَٰذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ (64) سورة هود.
وحدد لهم الشروط فقال هذه ناقة لها شرب ولكم شرب يوم معلوم، أنتم تشربون يوم وهي تشرب يوم، وأي أذى يحدث للناقة سيصيبكم العذاب.
يقول الله تعالى : إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ فِتْنَةً لَّهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ (27) وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ ۖ كُلُّ شِرْبٍ مُّحْتَضَرٌ (28) سورة القمر.
ونبههم بألا يقوموا بمس الناقة بأي سوء فيقول الله تعالى: فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا (13) سورة الشمس
اي لا تعتدوا على الناقة ولا تمنعوها من الماء، واحذروا أن تمسوها فلما رأى الناس هذه الآية المعجزة انقسم الناس فقليل منهم آمنوا واتبعوا صالح وأما أكثر قوم ثمود ظلوا على الكفر بعدما رأوا الآية بأعينهم.
النبي صالح يحذر قوم ثمود من إيذاء الناقة وإلا وقع العذاب
يقول الله سبحانه وتعالى ” وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَن كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ ۚ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا ۚ وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا (59) سورة الإسراء.
أي أتتهم المعجزة التي طلبوها ورأوها وظلموا بها، رغم انها جاءتهم على ما وصفوا ولكنهم أصروا وظلموا. وولدت الناقة وجاء الولد على شكلها وكانوا يحلبونها وكان يسير وراءها ولم يكن سحر بل عاشت بينهم فترة طويلة.
وظلت الناقة بينهم يشربون يوما من البئر ويأخذون ما يحتاجون من اليوم الثاني فإذا كان اليوم الثاني أقبلت الناقة إلى البئر هي وابنها وكانت تشرب طول اليوم، وكانوا وهي تشرب يحلبونها ويشربون منها فتكفيهم جميعا فكانت نعمة لو آمنوا ولكنهم كفروا، وتحاوروا في الأمر قالوا أن يتركنا الناس ويتبعون صالح وهذه الناقة، تجعلنا يوم كامل لا نمس الماء لابد من أن ننتظرها وإذا ما مشت تفر الأغنام والإبل فأزعجتنا فلنتخلص منها فاجتمعوا وتشاوروا واختاروا رجل منهم ذكرهم المؤرخون هو قدار بن سالف ابن جذع.
قوم ثمود يخططون لقتل ناقة النبي صالح خوفا على ملكهم
وناد ثمود قدار واتفوقا معه على قتل الناقة بالتالي ليس قدار وحده هو الذي فعلها بل الأمر كان بالاتفاق.
القول في تأويل قوله تعالى: فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ (29) سورة القمر
يقول تعالى ذكره: فنادت ثمود صاحبهم عاقر الناقة قدار بن سالف ليعقر الناقة حضّا منهم له على ذلك. – وقوله ( فَتَعَاطَى فَعَقَرَ ) يقول: فتناول الناقة بيده فعقرها.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ” هو أشقى الأولين”، وذكره الله في القرءان الكريم في الآية السابقة وذكره مرة أخرى إِذِ انبَعَثَ أَشْقَاهَا (12) سورة القمر ( إذ انبعث أشقاها ) أي : أشقى القبيلة ، هو قدار بن سالف عاقر الناقة ، وهو أحيمر ثمود ، وهو الذي قال تعالى : ( فنادوا صاحبهم فتعاطى فعقر ) [ القمر : 29 ] . وكان هذا الرجل عزيزا فيهم ، شريفا في قومه ، نسيبا رئيسا مطاعا.
9 شباب يتفقون على قتل ناقة صالح مع قدار
وجاء بصاحب آخر له فاتفقا على قتل الناقة ثم كان هو وصاحبه لهما مجلس خمر وفساد مع مجموعة من أصحابه فكانوا 9 اشخاص تشاوروا في قتل الناقة، واتفقوا على معاونته، وشاوروا الناس وأيدوهم في ذلك.
وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ (48) سورة النمل
يخبر تعالى عن طغاة ثمود ورءوسهم الذين كانوا دعاة قومهم إلى الضلالة والكفر وتكذيب صالح ، وآل بهم الحال إلى أنهم عقروا الناقة ، وهموا بقتل صالح أيضا ، بأن يبيتوه في أهله ليلا فيقتلوه غيلة ، ثم يقولوا لأوليائه من أقربيه : إنهم ما علموا بشيء من أمره ، وإنهم لصادقون فيما أخبروهم به ، من أنهم لم يشاهدوا ذلك ، فقال تعالى : ( وكان في المدينة ) أي : مدينة ثمود ، ( تسعة رهط ) أي : تسعة نفر ، ( يفسدون في الأرض ولا يصلحون ) وإنما غلب هؤلاء على أمر ثمود ; لأنهم كانوا كبراء فيهم ورؤساءهم.
كيف قتل قوم ثمود ناقة صالح
تحرك التسعة شباب لقتل الناقة وهي قادمة من الجبل الذي كانت تسكن فيه بعدما تشرب من البئر، وانتظروها في الطريق ولما وصلت أمرهم قدار بأن يهجموا عليها فلما هجموا عليها خافوا وهربوا فضحك منهم قدار وتقدم إليها وضربها على رجلها فعقرها والعقر هو كسر الرجل. فكسر رجلها فسقطت فنادوا صاحبهم فتعاطى فعقر أي كسرها.
يقول الله: فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُم بِذَنبِهِمْ فَسَوَّاهَا (14). سورة الشمس
ويقول فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (77) سورة الأعراف.
يعني كسروا قدم الناقة، وبعدما هرب ابنها فتبعوه وأحاطوا به فأصدر صوت عالي ثلاث مرات فقتلوه، واجتمع أهل القرية يقطعون اللحم ويأكلون من الناقة والكل شارك في هذه الجريمة إلا القوم المؤمنين الذين رفضوا ذلك، وتحدى القوم صالح.
قوم ثمود يتحدون صالح بأن ينزل الله عليهم العذاب
ولما جاء الخبر بصالح عليه السلام فإذا وجد ذلك، فنادى يقول الله تعال: “فعقروها فقال” يعني صالح ” فقال تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعدٌ غير مكذوب”. يعني ثلاثة أيام فقط وكلكم تهلكون.
فاجتمع الناس وبدءوا يتحاورون في أمر صالح وإنذاره فعندها قالوا : ” نقتل صالح مع الناقة” وبدأت المؤامرة على قتل صالح.
يقول الله: قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (49) سورة النمل.
إذًا بعدما قتلوا الناقة الآن تآمروا على قتل نبي الله صالح واستعدوا وجهزوا الرهط التسعة ومعهم من يساعدهم وتوجهوا إلى بيت صالح ليدمروه ويقتلوه هو ومن معهم، يقول الله سبحانه وتعالى : وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (50) فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ (51) فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا ۗ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (52) وَأَنجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (53) سورة النمل.
أول تدمير وقع على التسعة من الشباب وتم تدميرهم وأهلهم بالكامل لأنهم ارادوا قتل صالح ثم بدء العذاب. صالح عليه السلام في تلك الليلة التي دمر الله سبحانه وتعالى أعداءه فر هو ومن معه فر من قرية الحجر.
وأصبح الناس بمشهد عجيب في اليوم الأول من أيام الإنذار، كل وجوه ثمود صفراء وبدءوا يبكون، وفي اليوم الثاني انقلبت الوجوه فإذا هي حمراء، وفي اليوم الثالث وإذ كلهم وجوههم سوداء، فأخذوا يبكون ويصيحون وبدءوا يحفرون القبور، أي عرفوا أن الأمر حق ولا مفر.
وجاء العذاب ليس عذاب واحد كما حدث لقوم عاد، ريح وليس عذاب واحد مثلما حدث لقوم نوع بالطوفان، وإنما أصناف العذاب لأنهم جاءتهم آية على شروطهم وكفروا بهم.
أول مابدأ الأمر بدأت الرجفة أي الزلزال وسقطوا على أرجلهم، ثم بدأت الصواعق تنزل عليهم، ثم ختم الأمر بصيحة أهلكتكهم أجمعين.
يقول الله تعالى : وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّىٰ حِينٍ (43) فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنظُرُونَ (44) فَمَا اسْتَطَاعُوا مِن قِيَامٍ وَمَا كَانُوا مُنتَصِرِينَ (45) سورة الذاريات.
يقول الله تعالى : (وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (67) هود) وفي موقع آخر (وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (94) هود). (إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ ) – (31) سورة القمر
الله ينجي النبي صالح ومن معه ويتم تدمير قوم ثمود
أي أن الله دمرهم وفتتهم وتدمرت ثمود بأجمعها ونجى الله سبحانه صالح ومن معه.
فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ ۗ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (66) هود.
وبقيت آثارهم إلى اليوم من يمر في شمال غرب المدينة يرى مساكنهم في مدائن صالح.
تِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا ۗ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (52) وَأَنجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (53) ( سورة النمل).
وحتى لا تشكون أن القصة حق ترك الله مساكن قوم ثمود وهاجر صالح من هذا المكان.
فَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَٰكِن لَّا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ (79) سورة الأعراف.
وفاة النبي صالح في مدينة الرملة في فلسطين
وهاجر النبي صالح ومن معه من المؤمنين وأهله إلى فلسطين الأرض المباركة وسكن في الرملة، في مدينة الرملة ومات هناك عليه السلام.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم لما كان في طريقه إلى غزوة تبوك مر على مدائن صالح فذهب بعض الصحابة فأخذوا الماء من آبار مدائن صالح، وأخذوا بعض الأواني فالنبي صلى الله عليه وسلم بأن تكسر الأواني، وكل طعام صنع من ماءهم أن يرمى وأمر بألا يدخل أحد على هؤلاء المعذبين إلا ويبكي.
أي لا يمكن الذهاب إلا وتتذكر قدرة الله عز وجل وجبروته الذي تبدى في هؤلاء، وفي رواية أخرى فإن لم تبكوا فتباكوا ألا إن ثمود كفروا ربهم ألا بعدًا لثمود.
وهكذا انتهت قصة ثمود مع صالح التي ذكرت في القرءان أكثر من 26 مرة موعظة وذكرى للمؤمنين وعاش الناس ورجع الايمان مرة أخرى ثم بدء الانحراف من جديد وجاءت وسوسة الشيطان من جديد وانتشر الكفر في فلسطين والعراق والجزيرة ومصر وبعث الله تعالى في هذه المرة نبي هو من أعظم الأنبياء من أولي العزم من الرسل أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام.
معجزات سيدنا صالح
تميّز نبي الله صالح -عليه السّلام- بمُعجِزةٍ لم يُعطَ أحدٌ غيره من الناس مثلها، كغيره من أنبياء الله الذين آتاهم الله ممّا
عنده من الأمور الخارقة للعادات، فقد أيّد الله -سبحانه وتعالى- نبيّه صالحاً بناقة؛ أخرجها الله لقوم صالح من الصّخر، بعد أن طلبوا منه ذلك حتى يصدّق نبوّته وما جاءهم به من عند الله، ورغم أنّ مجرد إخراج الناقة من صخرة صمّاء يُعدّ مُعجِزةً بحدّ ذاتها إلا إن تلك الناقة كانت في جميع تفاصيلها مُعجزةً
حيث كان من إعجازها أن خُصِّص لها شرب يوم من النبع الذي يشرب منه قوم صالح، فتشرب بقدر ما يشرب قوم صالح جميعهم، بينما كان لقومه شرب يومٍ آخر غير يوم شرب الناقة، وكان من إعجازها كذلك أن تعطيهم يوم شربها لبناً ليشربوه بقدر ما أخذت من نبعهم فيكفيهم ذلك اليوم، حتّى عقرها أحدهم بعد مؤامرةٍ دبّرها القوم لأجل ذلك، فعذّبهم الله بفعلتهم.
قوم ثمود يطلبون من النبي صالح معجزة تدل على أنه نبي من الله
وقالوا له أنت شؤوم ابتعد عنا، فرد عليهم وقال لهم أنتم قوم تفتنون، فلما وصل الأمر إلى ذلك أنذرهم وقال : ” يا قوم إن كنت على بينة من ربي وآتاني منه رحمة فمن ينصرني من الله إن عصيتم” أي افترضوا أنه نبي وأنتم تأمرون بالمعصية ولو عصيت الله أخسر وأنتم تخسرون فقالوا له ائت بآية وبدءوا يشترطون، وقالوا انهم يريدون هذه الصخرة أن تنشق وتخرج منها ناقة، وبدءوا يتفننون وقال واحد من الملأ الكبير لابد أن تكون الناقة حامل بعشرة أشهر ، وقال آخر لابد أن تكون لونها أحمر وقال آخر لابد أن يكون صوفها كثير، ولابد أن تكون ناقة ضخمة بحيث هي تشرب من البئر يوم ونحن نشرب يوم.
الله يحقق المعجزة ويخلق ناقة صالح من الصخرة
فقال لهم صالح عليه السلام: إن جاءتكم هذه الآية تؤمنون قالوا بلى قال فاجمعوا الناس، فدعوا الناس في اليوم الموعود ودعا صالح عليه السلام ربه وتزلزلت الأرض وانشقت الصخرة أمام أعينهم وتخرج من داخل الصخرة ناقة ضخمة من أضخم ما رآوا في حياتهم، بل أضخم ناقة في التاريخ، وكانت ناقة واحدة تشرب ماء يكفي قرية كاملة وحامل في شهرها العاشر على وشك الولادة بالوصف الذي وصفوه.
يقول الله سبحانه وتعالى على لسان صالح :” وَيَا قَوْمِ هَٰذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ (64) سورة هود.
وحدد لهم الشروط فقال هذه ناقة لها شرب ولكم شرب يوم معلوم، أنتم تشربون يوم وهي تشرب يوم، وأي أذى يحدث للناقة سيصيبكم العذاب.
يقول الله تعالى : إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ فِتْنَةً لَّهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ (27) وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ ۖ كُلُّ شِرْبٍ مُّحْتَضَرٌ (28) سورة القمر.
ونبههم بألا يقوموا بمس الناقة بأي سوء فيقول الله تعالى: فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا (13) سورة الشمس
اي لا تعتدوا على الناقة ولا تمنعوها من الماء، واحذروا أن تمسوها فلما رأى الناس هذه الآية المعجزة انقسم الناس فقليل منهم آمنوا واتبعوا صالح وأما أكثر قوم ثمود ظلوا على الكفر بعدما رأوا الآية بأعينهم.
النبي صالح يحذر قوم ثمود من إيذاء الناقة وإلا وقع العذاب
يقول الله سبحانه وتعالى ” وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَن كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ ۚ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا ۚ وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا (59) سورة الإسراء.
أي أتتهم المعجزة التي طلبوها ورأوها وظلموا بها، رغم انها جاءتهم على ما وصفوا ولكنهم أصروا وظلموا.
وولدت الناقة وجاء الولد على شكلها وكانوا يحلبونها وكان يسير وراءها ولم يكن سحر بل عاشت بينهم فترة طويلة.
وظلت الناقة بينهم يشربون يوما من البئر ويأخذون ما يحتاجون من اليوم الثاني فإذا كان اليوم الثاني أقبلت الناقة إلى البئر هي وابنها وكانت تشرب طول اليوم، وكانوا وهي تشرب يحلبونها ويشربون منها فتكفيهم جميعا فكانت نعمة لو آمنوا ولكنهم كفروا، وتحاوروا في الأمر قالوا أن يتركنا الناس ويتبعون صالح وهذه الناقة، تجعلنا يوم كامل لا نمس الماء لابد من أن ننتظرها وإذا ما مشت تفر الأغنام والإبل فأزعجتنا فلنتخلص منها فاجتمعوا وتشاوروا واختاروا رجل منهم ذكرهم المؤرخون هو قدار بن سالف ابن جذع.
قوم ثمود يخططون لقتل ناقة النبي صالح خوفا على ملكهم
وناد ثمود قدار واتفوقا معه على قتل الناقة بالتالي ليس قدار وحده هو الذي فعلها بل الأمر كان بالاتفاق.
القول في تأويل قوله تعالى : فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ (29) سورة القمر
يقول تعالى ذكره: فنادت ثمود صاحبهم عاقر الناقة قدار بن سالف ليعقر الناقة حضّا منهم له على ذلك.
وقوله ( فَتَعَاطَى فَعَقَرَ ) يقول: فتناول الناقة بيده فعقرها.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ” هو أشقى الأولين”، وذكره الله في القرءان الكريم في الآية السابقة وذكره مرة أخرى إِذِ انبَعَثَ أَشْقَاهَا (12) سورة القمر ( إذ انبعث أشقاها ) أي : أشقى القبيلة ، هو قدار بن سالف عاقر الناقة ، وهو أحيمر ثمود ، وهو الذي قال تعالى : ( فنادوا صاحبهم فتعاطى فعقر ) [ القمر : 29 ] . وكان هذا الرجل عزيزا فيهم ، شريفا في قومه ، نسيبا رئيسا مطاعا.
9 شباب يتفقون على قتل ناقة صالح مع قدار
وجاء بصاحب آخر له فاتفقا على قتل الناقة ثم كان هو وصاحبه لهما مجلس خمر وفساد مع مجموعة من أصحابه فكانوا 9 اشخاص تشاوروا في قتل الناقة، واتفقوا على معاونته، وشاوروا الناس وأيدوهم في ذلك.
وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ (48) سورة النمل
يخبر تعالى عن طغاة ثمود ورءوسهم الذين كانوا دعاة قومهم إلى الضلالة والكفر وتكذيب صالح ، وآل بهم الحال إلى أنهم عقروا الناقة ، وهموا بقتل صالح أيضا ، بأن يبيتوه في أهله ليلا فيقتلوه غيلة ، ثم يقولوا لأوليائه من أقربيه : إنهم ما علموا بشيء من أمره ، وإنهم لصادقون فيما أخبروهم به ، من أنهم لم يشاهدوا ذلك ، فقال تعالى : ( وكان في المدينة ) أي : مدينة ثمود ، ( تسعة رهط ) أي : تسعة نفر ، ( يفسدون في الأرض ولا يصلحون ) وإنما غلب هؤلاء على أمر ثمود ; لأنهم كانوا كبراء فيهم ورؤساءهم .
كيف قتل قوم ثمود ناقة صالح
وتحرك التسعة شباب لقتل الناقة وهي قادمة من الجبل الذي كانت تسكن فيه بعدما تشرب من البئر، وانتظروها في الطريق ولما وصلت أمرهم قدار بأن يهجموا عليها فلما هجموا عليها خافوا وهربوا فضحك منهم قدار وتقدم إليها وضربها على رجلها فعقرها والعقر هو كسر الرجل.
فكسر رجلها فسقطت فنادوا صاحبهم فتعاطى فعقر أي كسرها.
يقول الله: فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُم بِذَنبِهِمْ فَسَوَّاهَا (14). سورة الشمس
ويقول فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (77) سورة الأعراف.
يعني كسروا قدم الناقة، وبعدما هرب ابنها فتبعوه وأحاطوا به فأصدر صوت عالي ثلاث مرات فقتلوه، واجتمع أهل القرية يقطعون اللحم ويأكلون من الناقة والكل شارك في هذه الجريمة إلا القوم المؤمنين الذين رفضوا ذلك، وتحدى القوم صالح.
قوم ثمود يتحدون صالح بأن ينزل الله عليهم العذاب
ولما جاء الخبر بصالح عليه السلام فإذا وجد ذلك، فنادى يقول الله تعال: “فعقروها فقال” يعني صالح ” فقال تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعدٌ غير مكذوب”. يعني ثلاثة أيام فقط وكلكم تهلكون.
فاجتمع الناس وبدءوا يتحاورون في أمر صالح وإنذاره فعندها قالوا : ” نقتل صالح مع الناقة” وبدأت المؤامرة على قتل صالح.
يقول الله: قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (49) سورة النمل.
إذًا بعدما قتلوا الناقة الآن تآمروا على قتل نبي الله صالح واستعدوا وجهزوا الرهط التسعة ومعهم من يساعدهم وتوجهوا إلى بيت صالح ليدمروه ويقتلوه هو ومن معهم، يقول الله سبحانه وتعالى : وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (50) فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ (51) فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا ۗ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (52) وَأَنجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (53) سورة النمل.
أول تدمير وقع على التسعة من الشباب وتم تدميرهم وأهلهم بالكامل لأنهم ارادوا قتل صالح ثم بدء العذاب.
صالح عليه السلام في تلك الليلة التي دمر الله سبحانه وتعالى أعداءه فر هو ومن معه فر من قرية الحجر.
وأصبح الناس بمشهد عجيب في اليوم الأول من أيام الإنذار، كل وجوه ثمود صفراء وبدءوا يبكون، وفي اليوم الثاني انقلبت الوجوه فإذا هي حمراء، وفي اليوم الثالث وإذ كلهم وجوههم سوداء، فأخذوا يبكون ويصيحون وبدءوا يحفرون القبور، أي عرفوا أن الأمر حق ولا مفر.
وجاء العذاب ليس عذاب واحد كما حدث لقوم عاد، ريح وليس عذاب واحد مثلما حدث لقوم نوع بالطوفان، وإنما أصناف العذاب لأنهم جاءتهم آية على شروطهم وكفروا بهم.
أول مابدأ الأمر بدأت الرجفة أي الزلزال وسقطوا على أرجلهم، ثم بدأت الصواعق تنزل عليهم، ثم ختم الأمر بصيحة أهلكتكهم أجمعين.
يقول الله تعالى : وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّىٰ حِينٍ (43) فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنظُرُونَ (44) فَمَا اسْتَطَاعُوا مِن قِيَامٍ وَمَا كَانُوا مُنتَصِرِينَ (45) سورة الذاريات.
يقول الله تعالى : (وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (67) هود) وفي موقع آخر (وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (94) هود).
إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ (31) سورة القمر